Views: 10

بانية المسجد

سلطان شاہ جہاں بيغم

كانت السيدة شاه جهان بيغم الحاكمة العاشرة من بين الأمراء الذين حكموا على الإمارة الإسلامية في بهوبال و ثالثة من الأميرات الاتي حكمن، وقد حكمت على إمارة بهوبال لمدة اثنين وثلاثين عاما، كانت هذه الإمارة الإسلامية واقعة فى وسط الهند و لذا لها أهمية ملموسة بين الإمارات المختلفة المتنوعة التي كانت توجد فى أطرافها حتى يرى أثرها فى هذه المنطقة إلى الآن.

ولدت السيدة شاه جهان بيغم بقلعة إسلام نغر في بهوبال فى 6/ جمادى الأولى عام 1254هـ المطابق30 يوليو عام 1838م. كان والده نواب جهان كيرمحمد خان بهادر واليا على هذه الإمارة آنذاك، ربتها أمها السلطانة سكندر جهان بيغم على نهج إسلامي نبيل تربية إسلامية و أدبية، أودعها الله الأوصاف الجميلة من الفَطانة الملموسة، و الصمود، والصحوة الدينية، و نشأت فى مهد العلم و قرأت الكتب الدرسية الشائعة آنذاك من الفقه و الأصول و الكلام على العلماء الممتازين و الأدباء الفآئقين فى مجالاتهم، مع ذلك تدربت على الفنون الحربية و الفروسية، وبالإختصار يمكننا أن نقول انها ليست ولدت في بيت الحاكم و نشأت نشأة الأمراء المترفين فقط، بل تنحلت من منبع الملك و نشأت في أحضانه.

 

الإمارة

لما كانت فى السادسة من عمرها إنتقل والدها و نواب بهوبال جهان كيرمحمد خان إلى رحمة الله فى 9 ديسمبر عام 1844م، و بعد وفات والدها عينت والية للإمارة وفق تقاليد الإمارة، ولكن لصغر سنها و عدم تجربتها عينت الحكومة الإنحليزية أمها الأميرة سكندر جهان بيغم أميرة للإمارة نيابة عنها، ومن مآثرها التي لا تُنسى التنازل عن الإمارة فى حق أمها، وهكذا ظلت ولية العهد حتى أن توفت أمها الحنون عام 1868م، وبعد وفات أمها تولت الأميرة شاه جهان بيغم عرش الإمارة يوم الإثنين عام 1285هـ فى بداية شهر شعبان المطابق 16 نوفمبر سنة 1868م،.

 

زواجها الأول

لما بلغت السيدة شاه جهان بيغم إلى سن الرشد ومضت من عمرها سبع و عشرة سنة فاهتمت أمها لزواجها اهتماما بالغا و بعد الجهد المتواصل و الفحص الطويل اُنتخب قائد القوات المسلحة للإمارة بخشي باقي محمد خان، وقد توارث القآئد الوفاء و الإخلاص للإمارة و لحاكمها كابرا عن كابر، وتم عقد هذا الزواج في شهر يوليو عام 1855م، ورزقت من هذا الزواج بإبنتين احدهما خسرو جهان بيغم المعروف “بسلطان جهان” التي ولدت عام 1858م، و الأخرى نواب سليمان جهان بيغم، و لكنها توفيت في الخامسة من عمرها عام 1865م، وبعد هذه الحادثة الفاجعة حدثت حادثة فاجعة أخرى و توفي زوجها الحبيب باقي محمد خان عام 1867م.

 

الإمارة بعد وفاة أمها الحنون

ذكرنا بصدد الحديث عن الحوادث الفاجعة و الكوارث المؤلمة، و المآساة الشديدة التي نزلت على الأميرة بغتة، فبقيت وحيدة و فريدة في شؤون الإمارة و الملك، وهكذا تراكمت عليها المسؤوليات الضخمة و لكنها صمدت أمامها بشجاعة كاملة و قامت بالأمور كلها كسلطانة عاقلة، و حاكمة ذات الفهم العميق و الشعور الكامل، ففى مثل هذه الظروف القاسية برزت شخصية الأميرة الشاملة و علمها الفائق وقد شهدت التاريخ أن الأميرات المسلمات في هذه الإمارة قد قمن بمسؤولياتهن الدينية و الملكية كرجال أكفاء متحمسين للدين و العلم.

 

زواجها الثاني

عانت السيدة بعد وفاة زوجها الأول باقى محمد خان من مسآئل الإمارة معاناة شديدة، حتى شعر الوزراء بصعوبتها هذه وأشاروا عليها أن تنتخب لها زوجا صالحا يعاونها فى أمور الإمارة، فقررت الأميرة الزواج الثاني، وبعد الإستشارة من المخلصين ولاسيما رئيس الوزراء جمال الدين المعروف بمدار المهام تزوجت عالما متبحرا، ومحدثا كبيرا وهو النواب صديق حسن خان القنوجى. وصار يعد من أمراء إمارة بهوبال.

 

الإصلاحات الإجتماعية والإدارية

كما علمنا أن السيدة شاه جهان بيغم قد تنازلت عن الحكم برغبة من أمها سكندر جهان بيغم، و رضيت أن تظل ولية العهد ما دامت أمها حيا، ولكنها كانت تقوم بكثيرمن الأمور المفوضة إليها من قبل أمها، حتى لما أرادت أمها الحنون الحج فقررت تشكيل هيئة إستشارية لإدارة أمور الإمارة، فكانت الأميرة شاه جهان بيغم رئيسة لهذه الهيئة.

 

وهكذا كانت خبيرة إلى حد كبير بأمور الإمارة الإدارية والسياسية قبل تحول أمر الإمارة إليها و كانت مع ذلك عاقلة و كادحة بالطبع، وقد ازداد فهمها السياسي و وعيها الفكري بواسطة الرحلات التي كانت تقوم مع أمها، وكانت هذه الرحلات لأمور سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، و لما تولت الإمارة بعد وفاة أمها فى عام 1868م، شرعت في تكميل البرامج السابقة الناقصة التي شرعت في حكم أمها، و اجرت التعديلات الدستورية الجديدة، و قامت بجولات متعددة في أنحاء الإمارة، و عفت كثيرمن الضرائب، و وضعت قوانين الإمارة وضعا جديدا، و أصلحتها إصلاحات لازمة، و أقامت إدارة مستقلة لوضع القوانين بإسم “تنظيمات شاهجهانى” و قسمت السلطات القضائية، و نظمت سلطات الأمن و عززت الأمن في الإمارة بوجه عام، وعنيت بوقاية الصحة عناية بالغة، و عين طبيب رسمي لكل مديرية، و بنيت المستشفيات فى جميع انحاء الإمارة حسب الضرورة، ومع ذلك شيدت مستشفى كبيرة فى بهوبال ليزوره المرضى في الأحوال الطارئة، وكان للنسآء مستشفى علاحدة للأمراض النسائية، فيه يعتنى بالمرأة الحاملة وطفلها الرضيع إعتناءا كاملا، وبدءت تطعيم ضد مرض الجدري، و نشرت إعلان رسمي لإعطاء الجائزة لكل من يلقح أطفاله لقاح الجدري، بدأت السيدة اللقاح من سبطتها بلقيس جهان لتسلية الناس الخائفين، و شيدت مركزا صِحيا لمعالجة المجزومين في “سيهور”، وفتحت مدارس كثيرة أكبرها مدرسة جهانكيرية ومدرسة سليمانية، أولهما موسومة بإسم والدها و ثانيهما في ذكرى لإبنتها سليمان جهان، التي كانت توفيت في صباها، و شيدت دار الأيتام لليتامى بإسم “مدرسة بلقيسية” في ذكرى لبلقيس جهان بيغم.

 

الخدمات الدينية

أنشات الأميرة شاه جهان بيغم إدارة جديدة للأمور الدينية، و شيدت كثيرا من المساجد بصرف كبير، و قررت إماما ومؤذنا و كناسا في كل مسجد، للقيام بمسؤليات إقامة الصلاة و غيرها من الأمور اللازمة، ومع ذلك كانت الإمارة تحتمل مصارف إنارة المساجد بالمصابيح والسرج، وتفريش السجادات، و تدخين الماء فى جميع المساجد، و أنشات إدارة مستقلة لإدارة شئون المساجد بإسم “مهتمم مساجد” و ألقت مسؤولياتها على كواهل العاملين و المسؤولين، و ازدادت الوظائف التي كانت ترسل إلى الحرمين الشريفين من عهد السيدة سكندر جهان بيكم لإعانة فقرائهما، حتى أنشأت لذلك إدارة مستقلة و صارت تذهب كل سنة قافلة لتحج على الصرف الرسمي.

 

كانت الأميرة شاه جهان بيغم تحتفل بالعلم والعلماء حتى أنها فاقت في مجال نشر العلم و المعرفة على جميع الأميرات لهذه الإمارة، فقد إفتتحت مطبعة للنشر و التوزيع بإسم “المكتبة الشاهجهانية” طبعت بهذه المكتبة القرآن الكريم و كانت توزع مجانا، ومن مطبوعاتها “نيل الأوطار، فتح البيان، تفسير ابن كثير، روضة الندية، نزل الأبرار، جلاء العينين، و فتح البارى” و غير ذلك من الكتب النادرة، وقد طبعت فتح الباري لأول مرة من هذه المكتبة، كانت الأميرة مشرفة للمجتمع العلمي عليكره.

 

ومع هذه المسؤوليات الكبيرة كانت الأميرة تبذل جهودها الجبارة فى مجال البناء و التعمير، بدأت في إشادة أكبرمسجد بآسيا فى بهوبال باسم “تاج المساجد” ولكنها توفيت قبل تكميل هذا المشروع، و بنت أول مسجد في لندن باسم “مسجد الشاهجهانى” على حسابها الخاص، ومن حسن مآثرها مسكنها “تاج محل بهوبال” على شاطئ غديرموتيا.

 

تصنيفاتها

كانت الأميرة شاه جهان بيغم ليست حاكمة فقط، بل كانت مع ذلك صاحبة قلم أيضا لها تصانيف علمية مملوئة بالنكت والدرر، و طبعت لها على موضوعات علمية تاريخية رائعة، منها “تهذيب النسوان” “خزينة اللغات” وكانت تقول الشعر أيضا باللغتين الأردية و الفارسية معا، وكان اسمها الشعري “تَاجْوَرْ” “شِيْرِيْن” تركت ورائها مآثر شعرية منها: “مثنوى صدق البيان، تاج الكلأ و ديوان شيرىن”.

 

وفاتها

في أواخر شهر أكتوبر1900م أصيبت شاه جهان بيغم بمرض السرطان الفموي الذي ظهر داخل خدها الأيسر، وكانت تعاني من هذا المرض 11 شهرًا، وانتقلت إلى جوار رحمة الله يوم الأحد في شهر صفر 1319هـ المطابق 16 يونيو 1901م، ودفنت في حديقة “نشات أفزة” بعد الظهر.