Views: 38

تاريخ دار العلوم تاج المساجد

أهمية المدارس الإسلامية في الهند

 

إن للإسلام علاقةً قوية جدا باللغة العربية، إذ لإنها لغة القرآن و السنة و تحمل في طيّاتها ثروة علمية قيمة عظيمة تعين المسلم على فهم الشريعة الإسلامية الغراء. يقول ابن تيمية رحمه الله : “إن اللغة العربية من الدين، و معرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب و السنة فرض، و لا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.

لما دخل الإسلام هذه المنطقة البعيدة من مهده، النائية عن مركزه، لم يلبث أهلها المسلمون إلا عرفوا قيمة اللغة العربية جيدا، فأعظموا شأنها و حافظوا عليها حفاظهم على مهجهم و أموالهم، و لا سيما العلماء الكرام فإنهم تعلموا هذه اللغة و أتقنوها و خاضوا بحرها الذاخر فاستخرجوا منه دررها و لآليها حتى تكلموا بها كتكلمهم بلغتهم الأم، مع أنها لم يكن في الهند أثرها قبل الإسلام.

و لما خرجت الحكومة من أيدي المسلمين في القرن العشرين، واجهوا المسائل الكثيرة و المشكلات المتنوعة، و من أكبر ما واجهوها حفاظ دينهم و إبقاء المسلمين على ما كانوا عليه من التدين و اتباع القرآن و السنة، فاهتدوا في بؤرة المسائل هذه إلى نشر شبكة المدارس الإسلامية في البلاد كلها، لئلا يغفل الجيل الجديد عن مبادئ الإسلام و تعاليمه. و لا شك أن العلماء قدموا بهذا الصدد خدمات جليلة خالصة لله تعالى، فألقوا الأضواء على أهمية التعليم الديني و نشر اللغة العربية، و ضحوا في هذه الخدمة بالرخاء و الهناء و سعادة العيش، و مازالوا مستعدين للتضحية بالغالي و النفيس للإسلام، فأثمر الله جهودهم و جعل قلوبا كثيرة من الطلبة مائلة إلى التعليم الديني العربي، رغم أنهم كانوا على علم تام أن هذا التعليم لا يضمن لهم الوظائف الرسمية و لا رخاء العيش في هذه الحياة الدنيا، و يمكن أنهم سيمرون بأحوال من المعيشة عصيبة في المستقبل و لا يجدون ما يسدون به رمقهم.

إن كل ما نرى اليوم في كل ناحية من نواحي الهند من المدارس الإسلامية هي التي قامت بحفاظ الإسلام و اللغة العربية في الهند، ولقد قدمت -بفضل الله- و لا تزال تقدم ما تستحق الإشادة والتقديرمن الخدمات الجليلة.

حركة ندوة العلماء

 

إن المدارس الإسلامية أشجار باسقة ينعم بظلها المسلمون و يقطف من أثمارها المؤمنون، و في أواخر القرن التاسع عشر بدأت حركة ندوة العلماء تحت قيادة نخبة من العلماء والمفكرين الربانيين المخلصين. كانت ندوة العلماء في أول أمرها حركة دينية فأنجبت فيها بعد مدرسة دينية سميت بدار العلوم لندوة العلماء.

كان من أهداف ندوة العلماء الأساسية إعداد منهج تعليمي يجمع بين العلوم الجديدة و العلوم الإسلامية العربية القديمة، و يقضي على ما يفرق بين العلماء الكرام و المثقفين الجدد من بعد و نفور، و يجمع بين القديم الصالح و الجديد النافع، و يعوّد المسلمين الشدّة في الأصول و المبادئ و المقاصد، و التوسعةَ في الفروع والجزئيات.

انعقدت حفلة أولى لندوة العلماء عام 1894م، اشترك فيها العلماء و ذوو الرأي بصرف النظر عن الطبقة التي ينتسبون إليها، ليتفقدوا أحوال المسلمين العصيبة، و يتبادلوا الآراء فيما تنمو من المفاسد التي انتشرت بعد حملة الثقافة الغربية والجمعيات التبشيرية، و ليتعرفوا الوسائل التي لا بد منها في إنقاذ الأمة الإسلامية من هذه المشكلة.

و لم تمض سنوات إلا ظهرت نتائج جيدة لهذه الحركة الفعالة المفيدة، يعترف بها اليوم كلُّ من له إلمام بتاريخ التعليم و الثقافة لدى المسلمين في الهند، و كذلك اعترف و لا يزال يعترف العلماء و الفضلاء من أنحاء العالم بخدمات أبناء ندوة العلماء. و من مآثرهم دار العلوم تاج المساجد الواقعة في وسط الهند، و هي تذكار جميل لجهود أبنائها، إذ يحمل رجالها راية لفكر الندوة السامي، و يتجلى في منهجها التعليمي و التربوي أثرها العميق.

بهوبال

 

كانت مدينة بهوبال إمارة إسلامية في وسط الهند، أنشأها نواب دوست محمد خان عام 1725م. كان نواب محبا للعلم، متصفا بالجود و الكرم، معروفا بالعدل و الإنصاف، يعدل بين الناس و لا يمنعه من العدل انتماء أحد من رعيته إلى غير دينه و غير ملته، و من أكبر نعم الله عليه أنه خلف رجالا مثله، فكانوا احتذوا حذوه و اقتفوا أثره في العدل و الإنصاف.

و في أيام نواب حميد الله خان انضمت هذه الإمارة إلى الاتحاد الهندي، و كانت قبل انضمامها تمثل دولة إسلامية إذ كانت تنفذ الأحكام الإسلامية في أرضها، و تقع دار القضاء و كثير من المدارس الدينية في أكنافها، و كانت تتصف بجميع الأوصاف التي تمتاز بها دولة إسلامية محضة.

نعم، كانت بهوبال إمارة صغيرة جدا غير أن صيته طار إلى أنحاء العالم لخصائصه العلمية و الأدبية، و ما زالت مجمعا للعلماء و الأساتذة المهرة و الصلحاء و الشيوخ، فكانت مهد العلم و منبع الأدب و مسكن المعلمين و مأوى الطلاب و مركز التأليف و التصنيف و التدريس، و لم يزل العلماء يأتون إليها من كل فج عميق و يسقون أرضها بمياه العلوم و المعارف.

العهد الشاهجهاني

 

إن المسجد الذي يقع في رحابه دار العلوم تاج المساجد مؤسسته نواب شاهجان بيغم، التي حكمت بهوبال من 16 نوفمبر 1868م إلى وفاتها 16 يونيو 1901م.

كانت ذا طموح و ذات همة عالية، حظيت بهوبال في عهدها بالتقدم في مجال العلم و الحضارة، حيث أنشأت مركزا لوضع القوانين، و وزعت اختصاصات المحكمة، و أعدت الخطط لنشر الأمن و السلام، و بذلت عنايتها في حفظ الصحة.

و من خدماتها العلمية: تحويل المدرسة السليمانية إلى مدرسة عالية، و تأسيس المدرسة الجهانكيرية، و المدرسة البلقيسية لليتامى، و إنشاء المطبع الشاهجهاني لطباعة الكتب.

لقد نالت هذه المدينة في العهد الشاهجهاني شخصيتين عظيمتين إحداهما مولوي منشي جمال الدين رحمه الله المعروف بالهمة العالية وحب العلم، و الأخرى نواب صديق حسن خان المعروف بالتبحر في العلوم و مؤلفاته الكثيرة، بفضل هذان البطلان اجتمع في هذه الإمارة كثير من العلماء منهم الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليمني، كان الشيخ إماما في الحديث و أستاذ الأساتذة الذي استفاد منه علماء الهند كلهم، و قرأ عليه 72 عالما من العلماء المشهورين الأجلاء، و كذلك ورد بهوبال في هذا العهد عالمان كبيران من نجد: الشيخ سعد بن عتيق النجدي و الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي و قرءا الحديث على الشيخ اليمني المذكور.

و من أبرز الأعمال التي تمت في عهد شاهجهان بيغم بجودها و جهودها الجبارة طبع كثير من الكتب النوادر كــ “نيل الأوطار، و فتح البيان، و تفسير ابن كثير، و نزل الأبرار، و جلاء العين، و حجة الله البالغة و فتح الباري”.

الأعمال البنائية في العهد الشاهجهاني

لقد سبقت نواب شاهجهان بيغم غيرها من الملوك و الأمراء في مجال البناء و الإنشاء، و لم يقلّ حبها و حماسها لهذا المجال عن حب الملك شاهجهان الذي كان يمتاز بين أقرانه بأعماله البنائية العظيمة (إذ بنى تاج محل المشهورة و هي إحدى عجائب الدنيا السبع)، فكأن روح الملك حلت في قالب بيغم، حتى استمرت بها سلسلة البناء في الهند.

و من أعمال نواب شاهجهان بيغم البنائية البارزة تاج محل (الواقعة بمدينة بهوبال) و عالي منزل، و بي نظير، و كلشن عالم، و نور محل و غيرها من الأبنية الأخرى.

قالت عنها سلطان جهان بيغم: “نعم، قد بنى غير واحد من أمراء بهوبال كثيرا من المساجد، و لكن شاهجهان بيغم تعرف بالإكثار من البناء، و من أكبر ما بنته و أجملها تاج المساجد”.

مصلى العيد في مكان تاج المساجد

 

إنّ تاج المساجد مكان يعرفه كل واحد من أهالي بهوبال، و لكن لما أراد الشيخ محمد عمران خان استعمال أراضيه لبناء الدكاكين أمام ‘سوق رايل’ لتكون وسيلة للاكتفاء الذاتي للمسجد، حدث ما لم يكن يخطر ببال أحد إذ وصل إنذار مفاجئ من البلدية يفيد الأمربهدم ما قد بني من الدكاكين فورا، تهديدا بأن رجال البلدية سيقومون بهدم جميع الأبنية بأنفسهم بعد 24 ساعة، ثم يؤخذ من المتهمين الغرامُ أيضا. فلذا وصل الأمر إلى المحكمة و عُلم بعد البحث من خلال الأوراق القديمة أن مصلى العيد كان يقع بمكان تاج المساجد في الزمن القديم، و كانت شاهجهان بيغم تريد إنشاء الأبنية الرسمية في ذاك المكان، فاستفتت بهذا الخصوص العلماء و الفقهاء، فأفتوا بعدم جواز تحويل المسجد إلى الأبنية الأخرى.

فأرادت أن يبنى هناك مسجد عظيم، و أمرت بتوفير الأحجار و الأدوات الأخرى، حسبما تفيده الأوراق التاريخية. و يتجلى من هذه الأوراق أن بيغم سمت هذا المسجد ‘بالمسجد الجامع’ في البداية، و بدأت تسميه بتاج المساجد بعد عام 1305هـ، فيعلم منه سبب اندراج هذا المكان باسم ‘المسجد الجامع’ في ديوان الأراضي إذ إنه اندرج قبل عام 1305هـ.

خطة بناء المسجد في عهد شاهجهان بيغم

 

يقع تاج المساجد في الجنوب من قصر بيغم، بينه و بين قصرها غدير حفرت لتكون حوضا له حتى يتوضأ به المصلون، و أنشئت الأدراج الواسعة بباب المسجد الواقع في الشمال، و لكن لم يكمل بناؤها، و لو كمل لتوضأ فيه اليوم أكثر من عشرة آلاف رجل في وقت واحد، و تمتع الناس بمنظر تلك الأدراج الجميلة. و يقع في الجانب الغربي من تلك الغدير بناء بي نظير، كان فيه سكرتارية في ذلك الوقت. و في الجانب الشرقي يمتد شارع متين من الباب الأحمر إلى تاج المساجد، و هذا الشارع كان بمثابة سد للغدير إذ يمر من تحته الماء الزائد إلى غدير منشي حسين التي هي أسفل الشارع، و يتجلى من هنا أن المعماريين لم يألو جهدا لتقوية هذا البناء حتى يبقى لسنين طوال.

إن أساس تاج المساجد رفع من الأرض الغربية ب 3.5 ، و من الشرق ب 3.6 أقدام، و من الناحية الشرقية الشمالية ب 8 أقدام، و قد وضع هذا الفرق العظيم في سطح الارتفاع بمهارة غريبة تبهر عيون المعماريين المهرة. و قد بني نَفق في الشمال الشرقي من المسجد ليمر به الماء أيام المطر، و قد جعل عليه طريق إلى الحوض ليصل المصلون إلى الحوض للوضوء من خلاله.

 

البنّاؤون

لما طار صيت ولوع شاهجهان بيغم بفن البناء، و سمع عنها البنّاء المهرة الذين بنى آبائهم الأبنية المشهورة من تاج محل، و المسجد الجامع بدهلي، و القلعة الحمراء، و الديوان الخاص و الديوان العام، رحلوا من دهلي و جيبور و آكره و البلاد الأخرى إلى بهوبال إذ وجدوا هنا فرصة ذهبية لعرض مهارتهم و اكتساب المال بها.

و كما كان خصص الله لبناء تاج محل معمارا ماهرا يقال له شيرازي، منح الله مدينة بهوبال ‘الله دلائي’ الذي كان معمارا مشهورا في عصره، فقد بنى كلا من القصور و المساجد و المحكمات في هذه المدينة.

 

الأحجار

لقد بني تاج المساجد بحجر أحمر رملي يسهل النقش عليه و قطع الألواح منه، و هو حجر بهوبال و آكره، و لهذا المسجد اثنا عشر بابا مصنوعا بالرخام، و كثير من الأعمدة و الشبابيك عليها نقوش رائعة جميلة تحير لها السفير السعودي لما زار المسجد ، و كاد أن لا يتيقن أن هذه النقوش نقشت بالأيدي و أعدت اللوحات في المسجد بتطعيم أحجار موسى على الرخام.

 

النفقات

لقد بني تاج المساجد بعواطف دينية و مشاعر طيبة، و كانت شاهجهان بيغم تريد أن يكون بناءه عملا عبقريا فريدا لم يعادله بناء آخر في آسيا كلها، فلم تبخل له و لم تبال بالنفقات قط، فحسب أحد تقديرات المهندسين والمهرة لقد بذل عليه أكثر من نصف مليون، و هو يساوي اليوم 700 مليون.

 

الخسائر التي أدى إليها خرابُ تاج المساجد لفترة طويلة

يقول الصناعون المهرة عن حجر تاج المساجد إنه من الأحجار التي لو لم تهذب بطريق جيد لتأثر لونها بسبب المطر و الشمس بعد خمسين عاما، و لم يكن الملاطُ (إسمنت) رائجا في ذلك الزمن، لذا استعمل الجص في بناءه، و كانت المصلحات تشتمل على الجص، و الآجر المطحونة، و السكر الأحمر و العدس، و هذه هي التي استعملت في بناء تاج المساجد أيضا.

لا شك أن الجص استعمل له باهتمام بالغ، لكن بعد وفاة شاهجهان بيغم تعطل العمل و لم يتوجه أحد إلى حفظ البناء من أثر اختلاف الفصول، فأسال المطر المتواصل الجص من بين الأحجار، و مكث ذلك الجص السائل عليها، و جعل يفرق سطح الأحجار متأثرا بالرطوبة تارة و باليبس تارة أخرى، لأن في الجص فعالية كيمياوية، و تاج المساجد إلى يومنا هذا متأثر بتلك الفعالية. لذا لا يزال مسؤولو تاج المساجد يركزون عنايتهم على هذا أيضا فهم يخططون لتنظيف الأحجار و طلائها، لكي لا يضر الجص بهذا البناء الجميل.

 

الأمتعة المصنوعة من البلور

لقد استوردت شاهجهان بيغم مصلى و فوارة لتاج المساجد ، و أثاثات ثمينة لناحية النساء من هذا المسجد، كلها مصنوعة من البلور.

كتبت سلطان جهان بيغم: لقد صرف في بنائها أكثر من مليون ونصف مليون روبية، و أعد فرشه البلوري في مصنع كبير من مصانع إنجلترا بسبعمأة ألف روبية، و لكن لما وصلت الأمتعة والمصليات البلورية التي كانت تشتمل على أربع قطعات، و حان وقت نصبه في المسجد، أبدى العلماء الكراهية عليها حيث يُرى فيها عكس الرجل الذي يصلي أمامه، وهذا مما لا يجوز، فاستفتت نواب شاهجهان بيغم العلماء الكرام بهذا الشأن.

كتب الشيخ السيد ذوالفقار علي نقوي رحمه الله هذه القصة بكاملها في مؤلفه و هي فيما يلي:

“استوردت نواب شاهجهان بيغم المصلى البلوري لتاج المساجد، فاستفتت بشأنه العلماء الكرام هل يجوز نصبه في المسجد أم لا، و أرادت أن تستفتي القاضي أيضا، فأرسلتُ أنا الاستفتاء إلى القاضي عبد الله الكابلي و طلبت منه الإجابة. أنقل فيما يلي الاستفتاء و إجابة القاضي رحمه الله عليه.

السؤال: هل يجوز فرش صحن المسجد بالقوارير أو البلور؟ و هل يجوز أن يكون المصلى من القوارير أو البلور؟

الإجابة: يجوز استعمال البلور في صحن المسجد و مصلاه لأسباب كثيرة منها:

1: لم يأت في القرآن و الحديث تحريمه، لا في المنازل عامة و لا في المساجد خاصة، و الأصل في الأشياء الحلة حتى يقوم على الحرمة دليل.

2: جاء في سورة النمل أن نبي الله سليمان عليه السلام أمر ملكة سبأ بالدخول في قصر ممرد من قوارير، فلما التبس عليها الأمر و ظنته ماءً و كشفت عن ساقيها، صرح سليمان عليه السلام أنه أحجار و ليس ماء. يستنبَط من هذه القصة جواز استعمال القوارير في المنازل، لأن هذه القصة -و إن كانت للأمم الماضية التي كانت شرائعهم تختلف عن شريعتنا- يصح الاستدلال بها، لأن العلماء يعتبرون أن القصص إذا ذكرت في القرآن الكريم و لم ينكر عليها، و لم يأت خلافها في شريعتنا فهو جائز لنا بدون قباحة. و هذه القصة أيضا كذلك إذ لم تذكر للذم و الإنكار و لم يذكر نسخها في شريعتنا، إذن فالاستدلال بها صحيح. و إذا كان استعمال القوارير جائزا في المنازل ، يبقى جائزا في المساجد أيضا حتى يقوم دليل على عدم الجواز في المساجد.

3: لقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه تعليقا: “صلى ابن عمر على الثلج، و لم ير الحسن البصري بأسا أن يصلي على الجمد و القناطر، و فسر بعض العلماء كلمة الجمد بأنه ثلج.” يعلم كل منا أن الثلج نقي شفاف و يرى عكس الإنسان فيه كما يرى في البلور، و ربما أوضح منه.

4: استقرأنا الأحاديث التي تفيد الأماكن الممنوعة فيها الصلوةُ مثلا: المزبلة، و المجزرة، و المقبرة، و قارعة الطريق، و الحمام، و معاطن الإبل، و فوق ظهر بيت الله، فلم نجد منها البلور أو القوارير. فثبت بهذه الدلائل أن استعمال القوارير في المسجد جائز و ليس حراما.

و إذا بحثنا عن استحسان هذا العمل أو عدم استحسانه، علمنا أن المتقدمين لا يستحسنون التزيين في المساجد، و لقد جاء في الأحاديث و الآثار النهي عنه، و هذا يكدر صفوة الخشوع و الخضوع. فاستعمالها في المساجد جائز و لكن غير مستحسن و خلاف للأدب، و إن الأدب في السذاجة.”

من خلال هذه القصة علمنا تدين شاهجهان بيغم و ميلها إلى الدين إذ أنها ألغت أمنيتها للعمل المستحب فقط، فما بالها بالفرائض و الواجبات!

مع الأسف لقد سرقت الأثاثات البلورية كلها، و لما ابتدأ تكميل تاج المساجد لم يوجد سوى مصلى واحد وضع في مكتبة دار العلوم تاج المساجد، و هو موجود هناك إلى الآن.

 

تعطل العمل البنائي

تعطل عمل البناء في 1901م بعد وفاة شاهجهان بيغم، و لم يبدأ العمل في عهد بنتها و خليفتها سلطان جهان بيغم، و كان البناؤون ينتظرون بداية العمل مرة أخرى، و لكن مضى الكثير من الوقت، و جعل البناؤون يتركون هذه الديار طلبا للرزق في البلاد الأخرى.

التفات نواب حميد الله إلى بنائه

لما التفت نواب حميد الله خان إلى بناء هذا المسجد الناقص المبنى في 1937م، خالفه البناؤون المهرة، لأنهم لم يروا البناء على المنهج القديم مناسبا إذ ما زال ماء المطر انصب عليه و بلله لمدة 36، 37 عاما، و اتفقوا أن يستعمل الألمونيم لخفته على المنارتين و القباب، و مضت في المشاورة سنتان و لم يبدأ العمل، ثم بدأت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939م، و ركزت الحكومة عنايتها على مخيم أسارى حرب ببيراكره.

و بعد اختتام الحرب، تحركت داعية تكميله في قلب نواب حميد الله خان ثانيةً، فاختار لهذا العمل ‘سرور القريشي المهندس’ أن يقدر ميزانية تكميل تاج المساجد و هدم سور قلعة بهوبال، و فوض هذين العملين إلى سرور القريشي نفسه، فبدأ العمل على الباب الشمالي و صحن المسجد بعد الجهود المكثفة، و لم يتم من العمل إلا قليل حتى وقف للأسباب السياسية.

تكميل تاج المساجد

ولمّا حصل الشيخ عمران خان تولية تاج المساجد، ما كان له هم سوى تكميله، و كان يقول كثيرا إنه يريد تكميله و لكن الفوز بيد الله.

 

من قيام دار العلوم إلى تكميل تاج المساجد

لما فوض الله إلى الشيخ أمر تاج المساجد، وضع بين عينيه خطة قديمة لبنائه، و لما رأى أنه لا يمكنه أن يستعمل الأراضي و الأبنية الموقوفة في خارج المسجد للمقاصد التعليمية، بدأ يرمم صحن المسجد الواسع و شرفاته المحرابية بطريق لا يقلل من جمال هذه الذكرى الإسلامية العظيمة، و لا يضيق عن كونه مركزا للعلم و الدين، و مسكنا للطلبة، و لا يعجز عن توفير التسهيلات للحاضرين في الاجتماع الدعوي السنوي.

 

الأعمال البنائية التي تمت قبل 1971م

حوض

إن حوض هذا المسجد خمسون في خمسين قدما مربعا، و حوله دكة صلبة لسبعة أقدام و نصف، و عمق الحوض أربعة أقدام، قد تم عمله في مدة أقل من شهر واحد قبيل الاجتماع العالمي الثالث عام 1951م، و قد بذل كثير من المسلمين المخلصين فيه أموالا طائلة و جهودا جبارة

و نصبت في وسطه فوراة بلورية تزيده رونقا و بهاء، و كانت بيغم استوردت له اللبنات البلورية، و لكنها سرقت بعد وفاتها في فترة تعطل العمل، لذا بني هذا الحوض باللبنات العادية، و لم تبق الآن تلك الفوارة أيضا.

المصليات الحجرية

كان ثلاثة أرباع الصحن يشتمل على حفر كبيرة و عميقة، سد بعضها في عهد نواب حميد الله خان إلا أن أكثر من نصف العمل لم يزل باقيا، فسدت بقيتها بعد قيام دار العلوم، ثم فرشت بالمصليات الحجرية. وهكذا كمل نصف الصحن تقريبا قبل مهمة التكميل.

بناء الغرفات

كانت تحيط بصحن المسجد الكبير من الشمال و الشرق و الجنوب شرفةٌ محرابية عرضها 12 قدما، و كانت الشرفة ناقصة البناء في الجنوب، فحولت هذه الشرفات إلى الغرفات، فأقيم لها جدار حجمه 5620 قدما تقريبا، و نصب 85 عتبة كبيرة و بابا جديدا، و 116 شباكا، و 100 منفذ، و نصبت 41 لوحة، و الآن تستعمل هذه الغرفات لدار العلوم، فمنها ما جعلت غرفة الضيوف أو مكتبا أو دار الطعام أو دار الإقامة التي تسع 220 طالبا تقريبا، و منها ما جعل مخزنا لأمتعة المسجد و المكتبة.

تكميل الفرش

كان بعض فرش المسجد في صحنه الشرقي و قاعته الكبيرة ناقصا، و بعضُه يقتضي العمل من جديد، فكمل بناءه، و كان طوله بالجملة 200 قدما و عرضه 12 قدما.

السلم

كان للصدور و الورود ثلاثة أدراج في المسجد على ثلاثة أبوابه فقط، و الآن بنيت الأدراج المسلسلة على جميع الأبواب، و كذلك بنيت الأدراج لقاعات الصلاة المخصصة للنساء في شمال المسجد و جنوبها.

الحمامات و المراحيض

بنيت خمسة حمامات و مراحيض للنساء قريبا من الجهة الجنوبية من المسجد، و في نفس الجهة بنيت أربعة حمامات و خمسة مراحيض لدار الإقامة.

المطبخ

توجد في تاج المساجد دار الإقامة أيضا مع دار العلوم، يسكن فيها عدد كبير من الطلاب، فاحتيج إلى مطبخ يطبخ لهم فيه الطعام، لذا بني مطبخ في الجانب الجنوبي خارج المسجد.

منارة المسجد

كانت منارتا هذا المسجد الناقص ناقصتين، و لم تكونا متساويتين، فرفعت المنارة الشمالية إلى أربعين قدما حتى تساوت بالمنارة الجنوبية، و رفعة المنارتين 228 قدما وقطرهما 25 قدما.

سقوف المسجد

كان العمل البنائي موقوفا منذ 1901م، و يعلم كل منا أن البناء الذي لا يكمل يقطر الماء من سقفه و يدخل المطر في أحشاء جدرانه، و كذلك كان حال تاج المساجد، بل يصعب علينا بيان حاله هنا. فعولج حل هذه المشكلة حيث سقف بعض النواحي، و سُدّ بعض الثلم، و بلط بعض الجدران.

صحن المسجد

كان صحن المسجد غير مسطح و غير ممهد، و ما كان لأحد أن يمشي عليه، فمهد بمساعدة مآت من المخلصين و مآت من شاحنات الأنقاض.

الضوء الكهربائي

ما كان تركيب الكهرباء سهلا في هذا المسجد العظيم واسع المحاريب بعيد المدى، و لكن تم ذلك العمل الصعب بحمد الله تعالى في داخل المسجد من الصحن و الغرفات الجديدة و قاعات النساء و غيره، و مد السلك الكهربائي في أكثر من 3000 قدما.

توفير الماء

ما كان الماء يأتي إلا إلى الحوض الذي يقع في الخارج قريبا من المغتسل و إلى خزانة حديدية فقط، و هذه الخزانة وضعت في الجانب الجنوبي قريبا من الصحن، و الماء يأتي من خط ‘المدرسة الحميدية’، و يعاني الناس دائما من قلة الماء، و الآن حصل للمسجد خط الماء المختص له بدون مشاركة بفضل الله و كرمه، و قد كثر الماء، و استغرق هذا العمل 526 أنبوبة من مختلف الأحجام.

هذه الأعمال التي في الأعلى تمت قبل 1960م.

و الأعمال التي تمت بعد 1960م إلى 1971م فيما يلي:

1 . تم فرش صحن كبيرلقاعات النساء في الجانب الشمالي.

2 . بنيت أدراج الرخام أمام المحراب الأوسط.

3 . بنيت الأدراج الحجرية أمام المحاريب الأخرى.

4 . أقيمت أعمدة الحديد في صحن المسجد و مدت شبكة الحديد عليها لتوضع عليها البُلُس و ذلك لتوفير الظلال للزائرين في الاجتماع.

بدء بذل الجهود للبناء الجديد

كان الهم الوحيد للشيخ تكيمل تاج المساجد، فلذا لم يجد فرصة لهذا العمل إلا أسرع إليه، كما قد تجلى من السطور الماضية.

مقترح لبناء الصالون الشمالي

قدم أميردارالعلوم اقتراحا لبناء قاعة المسجد الشمالية في حفلة الشورى المنعقدة 10 ديسمبر 1966م، وشكلت لجنة من أعضاء مجلس الشورى لإمعان النظر في جميع الأمور وصياغة المقترحات المناسبة بهذا الخصوص.

ومن لوازم هذه اللجنة : إلقاء النظرعلى جميع جوانب الأمر.

والتشاور مع المهندسين عند الضرورة، والقيام بعمل البناءعلى ثقة بالله، والحصول على الإذن بالبناء، ووضع النظام المناسب للتمويل، ومن مسؤولياتها القيام بعمل البناء فورا بالأموال التي خصصها شخص متبرع لهذا الغرض، واتخاذ التدابير المناسبة لتغطية النفقات الأخرى، وكذلك يجب على اللجنه أن تواصل عرض تقريرعمليتها في مجلس الشورى.

كان من أعضاء هذه اللجنه الشيخ عمران خان الندوي الأزهري، والشيخ السيد حشمت علي، وعبد الحميد خان المهندس، والشيخ السيد منظور حسين سروش، وعبد الرؤوف خان، وافتخار أحمد.

وقد جرى الكلام عن القاعة الشمالية في الشورى. و كان انهيار السقف و فساده والإضافة في بنائه كان سببا للمفاجأة الشديدة، و عبر أهل الخبرة من المهندس عبد الحميد (الذي كان عضوا في مجلس الشورى ومهندسا معماريا أيضاً) و غيره عن آرائهم بشأن هذا السقف الذي وصل على وشك الانهيار و اتفقوا على أن يهتم به أو لا.

 

يقول الشيخ عمران خان الندوي: قال لي الشيخ الشاه يعقوب المجددي أول مرة في بداية أكتوبر 1967م: لماذا لا تركز العناية على تكميل تاج المساجد؟ قلت له من يجرؤ على العمل الذي لم تستطع أن تقوم بها الإمارة؟ وكيف؟ في هذا العصر فأجاب الشيخ: لا يقوم بهذه الأعمال إلا الرجال، فعليك أن تتحلى بالجرأة والعزيمة و تتهيأ لها ولا تفشل عنها.

 

وبعد مدة قليلة قال الشيخ الشاه يعقوب المجددي بدون أي سياق إلى متى سيبقى هذا المسجد على هذه الحال؟ قال الشيخ عمران: فأبديت التوتر مع الارتياب إذ كان هنا كأمر الشيخ في جانب، وخطورة هذه المهمة في جانب آخر، و أضاف قائلا: إن فكرة تاج المساجد كانت مستولية علي، وفي ذلك الزمان ما كان الناس يتبرعون إلا للمدرسة لا لبناء المسجد، والمدرسة تقوم بأمور التعليم منذ عشرين سنة على تبرعات الناس وإذا استعين الناس لهذا المسجد قالوا: يمكن القيام بكل شيء في العالم إلا بناء هذا المسجد، وهذا كان مشهورا عند أكثر الناس في الهند والعالم كله، ولذا حدث ما حدث مع السيد إنعام الله المكي المستوطن بكنادا حينما ذكر لديه تكميل هذا المسجد فإنه لم يثق بذلك إلا بعدما قدم الشيخ الدلائل وصرح بأن بناء تاج المساجد على وشك التكميل.

 

ثم استعرض الشيخ حالة أهل بهوبال ونصح الشيخ بإحضار المساعدة من الخارج، فقال الشيخ: هذه الفكرة كانت تخطرعلى بالي أيضاً منذ أيام.

 

إتمام بعض أبنية المسجد الناقصة

حينما تقررمشروع إتمام المسجد، رُسمت خطة من المهمات الآتية و ذلك يتم بمبلغ:

مئتي ألف وضع الجص من جديد بعدما أزيل الجص القديم لجميع السقف 1
بمليونين إكمال قباب المسجد لحفظه من ماء المطر 2
ثلاث مأة ألف إصلاح بعض السقف القديم المنهار 3
ثلاث مأة ألف إكمال رواق الشمالي للمسجد التي تحتوي على 22 محرابا 4
تسع مأة ألف إكمال الباب الضخم الشرقي الرئيسي الناقص منذ سبعين سنة 5
خمسين ألفا تحويل الحفرة التي يبلغ طولها حوالي 100 قدما وعرضها 40 قدما وعمقها 15 قدما إلى سرداب 6
خمسين ألفا إنشاء طرق المياه مع تكميل البناء من الداخل لتصريف مياه هذا المسجد الواسع 7
مأة ألف تغطية جميع صحن المسجد بالحجارة حتى يصلح للصلاة 8
ثلاثة ملايين إكمال المنارتين لتحفظ المسجد من تسرب ماء الأمطار 9
خمس مأة ألف بناء السلالم الشمالية حتى البركة 10
مأة ألف المتفرقات 11
سبعة ملايين و خمس مأة ألف المبلغ الإجمالي  

 

بعد ذلك قام البروفيسور مسعود الرحمن بإعداد أوراق النشرات المصورة وما إلى ذلك لجمع التبرعات بطريقة حديثة.

 

أبنية أخرى في محيط دار العلوم

بذكاء الشيخ و شخصيته العبقرية و مكانته العالية لم تكتسب بدارالعلوم أرضاً حول المسجد فحسب، بل قام أيضا ببناء محلة تجارية ضخمة لتحقيق الاستقرار المالي لدار العلوم إلى الأبد.

 

بناء المحلات التجارية

كان عمل مسجد تاج المساجد مستمرا، وكان شعب الهند يشارك في أعمال البناء بقوة كبيرة وحصلت دار العلوم على مساحات كبيرة من الأرض أيضا، ووعدت الحكومة بالإذن ببناء الدكاكين على مراحل.

بدأ البناء على الفور برأي الشيخ وأعضاء مجلس الشورى، لأن تغير الحكومة ربما يحدث مشاكل جديدة وعزم الشيخ على تكميل المحلات التجارية بنفقات أخرى.

رأى الشيخ أن يؤخذ المال قرضا من المبلغين:

1 المبلغ (56 ألفا ) الذي جمع للمرافعة في المحكمة عام 1952م و كان أكبر جزءه محفوظا.

2 و المبلغ الذي حصل ببيع وقف أراضي وقف إقبال محمد خان لمصالح تاج المساجد، و بقي منه 4,85,751 روبية، و أن يؤدى القرض منجما بالنفع الذي سوف يحصل.

فبدأت سلسلة بناء الدكاكين، لأن الدكاكين تمد في بناء الأبنية الأخرى، و استمر عمل البناء في المسجد أيضا، و لكن توقف عمل السقف بسبب بناء الدكاكين، و لما تقرر في مؤتمر السيد سليمان الندوي المنعقد عام 1985م بناء قاعة سليمان تذكرة له، التفت الشيخ إليه.

لم يكمل عمل السقف في أيام الشيخ عمران خان رحمه الله و الشيخ منظور سروش رحمه الله، لأن المهندسين أشاروا على تسقيف آر سي سي في السقف الحالي، لكي لا يعرض خطرُ تقطُّعِ الأحجار في إخراج الأنقاض و التراب، و كان الرأي الثاني أن تخرج الأنقاض بعد قشط الأحجار ثم يسقف عليها بسقف الاسمنت المصلح، تم هذا العمل في أيام الأمير الثالث الشيخ حسان خان عام 1998م.

قدم الشيخ مذكرة في حفلة الشورى المنعقدة 10 فبراير 1975 نذكر خلاصتها فيما يلي:

“كما يعرف أعضاء الشورى المكرمون أن تاج المساجد قد حصل على الأراضي الواسعة حوله، و سوف يؤذن لنا ببناء الأبنية هناك في مختلف المراحل، و سيبدأ العمل بالمكان الذي يقع في غرب شارع حميدية و هو في شرق الميدان الجنوبي لتاج المساجد، و كما يفيد تقدير سريع أن ثلاثين أو أربعين دكانا سوف تبنى، فهذه خطة البناء الكبيرة و تقتضي أموالا طائلة، و لا يمكن لدار العلوم أن يستقرض المال على الربا، و ليست لدار العلوم ثروة كبيرة، و كذلك لا يمكن حصول التبرعات لهذا العمل إذ كان عمل المسجد الأساسي مستمرا و يقتضي المزيد من المال الذي لا يمكن حصوله إلا بالتبرعات، لذا استقرضت دار العلوم نصف مليون روبية من ‘لجنة الوقف المحمدية الزراعية باري’ في 26 ديسمبر 1972م لبناء الدكاكين في أراضي تاج المساجد على أن يؤدى القرض منجما يعني 50 ألف روبية في كل سنة.

و مما يحصل لدار العلوم من المنافع بهذه الدكاكين سيحفظ أكثره لأداء القرض، و نقدر أن ثلاثين دكانا تنتج 72 ألف روبية، فيمكن لنا إذن بعد المصارف كلها أن نحفظ لأداء القرض 50 ألف روبية على الأقل، هكذا نؤدي القرض في عشر سنوات إن شاء الله على كل حال، بل نرجو أن نؤديه قبل الميعاد. و لِما تستحق دار العلوم الاستفادة من مال الوقف المحمدي باري فليس في استعماله بأس، لأن دار العلوم هي التي ستستفيد من الدكاكين على أي صورة كانت، و كذلك تبقى ثروة الوقف محفوظة، و يمكننا الشراء للوقف عقارا بعد أداء القرض، و تبنى لدار العلوم الأبنية التي تكفي نفقات دار العلوم، فهذه الخطة تكون محفوظة و نافعة على كل حال إن شاء الله تعالى، و لو اتفق أعضاء الشورى على هذا المقترح فنقدم طلبا إلى الوقف لهذا القرض.

 

الإذن ببناء الدكاكين و بدء العمل

بدأ السعي للاستئذان بالبناء بعد الحصول على الأراضي مباشرة، و عرض دونه عراقيل كثيرة متنوعة و لكن مكانة الشيخ و إخلاصه أزاحت تلك العقبات كلها و مهدت الطريق إلى الهدف.

و قدم الطلب مع خريطة البناء أمام البلدية في 18 يونيو 1975م، و قبِل الطلب بعد عدة تعديلات.

و وضع فخر الدين علي أحمد رئيس الجمهورية للهند الحجر الأساسي للدكاكين في 22 أكتوبر 1975م، و لكن لم يبدأ العمل إلا بعد شهر مارس 1976م لبعض المشكلات.

 

الإذن ببناء الجزء الأعلى من الدكاكين

لقد حصل لدار العلوم الإذن ببناء الجزء الأعلى من البلدية بعد جهد مسلسل و تعب مستمر، و كان الأمير حينذاك في إنجلترا لتوفير التبرعات، و أراد نائب الأمير و أعضاء الشورى رغم علمهم بعدم توفر المال أن يبدأ العمل في أي صورة كانت، لأنهم يخافون أن يؤخر الإذن لو تغيرت الحكومة، و قدمت مذكرة بهذا الخصوص في الحفلة المنعقدة 25 ديسمبر 1978م، و نذكر فيما يلي خلاصته:

لقد أخبرنا أعضاء الشورى في حين لآخر ببناء الدكاكين في سوق تاج، فهم يعلمون جيدا أننا حصلنا أولا على الإذن ببناء الطابقَين ثم نسخ إذن الطابق الأعلى، و تقرر في حفلة الشورى المنعقدة في 5 مايو 1978م أن يبدأ بناء الطابق الأسفل على الفور إذ لم ينسخ إذنه، و لما تم عمل الطابق الأسفل قدمنا طلبا لبناء الطابق الأعلى أمام الحكومة المعاصرة، و أخيرا حصلنا على الإذن ببناء الطابق الأعلى أيضا في مايو 1978م و لكن كان يجب أن نستأذن البلدية أيضا، و قبل أن نستأذن البلدية سافر الأمير إلى إنجلترا، و بعد مغادرته حصل لنا الإذن من البلدية أيضا.

و ظهر لنا سؤال مهم بعد الاستئذان و هو توفير المال للبناء، فإن كل ما استقرضنا من نصف مليون روبية قد صرف في الطابق الأسفل، و لم يكن لدار العلوم من المال ما يكفي مؤونة الطابق الأعلى، إلا كان لها 34 ألفا و لكن هذا المبلغ لا يكفي لتاج المساجد فضلا عن الأبنية الأخرى، نواجه هذه المشكلات في جانب، و في جانب آخر نرى من الضروري أن نبني الطابق الأعلى في أسرع ما يمكن من الوقت، و إلا لو أفلت منا هذه الفرصة لما استطعنا بناء الطابق الأسفل إلا بعد مدة طويلة، و هناك مشكلة أخرى أن مسؤولي دار العلوم كانوا يتذبذبون في الإقدام على مثل هذه الخطة الكبيرة في غياب الأمير، و لكن غلب عليهم الفكر بوجوب تكميل بناء الطابق الأعلى مهما كانت الظروف و الأحوال، إذ بناء العقار من مقاصد دار العلوم.

هكذا كان صرف المال على مثل هذه الأبنية لا يخالف دستور تاج المساجد، لذا استشار نائب الأمير من الأعضاء الذين كانوا موجودين في بهوبال حينذاك فقرروا أن يُستقرض المال من ميزانية دار العلوم و يؤدى هذا القرض بالمال الذي يحصل بمنافع سوق تاج.

 

بناء الدكاكين في جهة شارع السلطانيةِ

كمل عمل شارع تهيلي والي عام 1980م، كانت حكومة مدهيا براديش أذنت ببناء الدكاكين على شارع تهيلي والي في المرحلة الأولى، و بعد ذلك ببناء الدكاكين في جهة السلطانية، لذا لما كمل العمل في تلك الجهة بدأ العمل في الجهة الأخرى، و قدمت مذكرة في حفلة الشورى المنعقدة في 12 يناير 1981م:

“أُذِن لنا بالبناء في الميدان الذي يقع في الجهة الجنوبية من شرق تاج المساجد و هو بجانب شارع تهيلي والي، و بعد ذلك ببناء الدكاكين بجانب شارع السلطانية أمام سوق رايل، فلقد تم بفضل الله تعالى عمل شارع تهيلي والي تقريبا و بني الطابق الأعلى أيضا، و الآن نتوجه إلى شارع سلطانية.”

“و كما استقرضنا المال من ميزانية دار العلوم لسوق تاج سنستقرضه لشارع السلطانية أيضا.”

و قد ظهرت مشكلات كثيرة للبناء في هذا الجزء أيضا، و لكن انحلت بدعاء الشيخ رحمه الله و جهده و جهد أصحابه. و جاء ذكر بناء الدكاكين في حفلة الشورى المنعقدة في 5 مايو 1977م، و وثقت أعمال مجلس الإمارة في الحفلة نفسها و من تلك الأعمال بناء الدكاكين أيضا.

 

كيف نؤجر الدكاكين

تم كل عمل حسب قواعد مجلس الشورى و مجلس الإمارة لئلا يدخل فيه خطأ و عمل حرام، و هذا دليل على فراسة الشيخ و حزمه، و لم تزل تقدم التفاصيل بشأن المستأجرين أمام الشورى في حين لآخر، فنذكر هنا ما قدم في الحفلة المنعقدة في 28 ديسمبر 1981م من مذكرة:

قرر أهل الرأي أن يؤخذ من كل مستأجر لدكاكين شارع السلطانية 15 ألفا كمبلغ التأمين و 5 آلاف كمبلغ لدفعة مقدمة لتكميل البناء، يؤخذ منهم حوالي ألف روبية أجرة في كل شهر.

و قرروا أن أحدا لو قدم تبرعا لبناء الدكاكين على شارع السلطانية فيخفض له من مبلغ التأمين. و كذلك قرر مجلس الإمارة في حفلته المنعقدة في 8 مارس 1982م مباديَ للتأجير و وثقها مجلس الشورى في حفلته المنعقدة في 27 ديسمبر 1982م، و نذكر هنا بعض تفصيله:

نشر الإعلان في الجرائد الهندية و الأردية و الإنجليزية و طلبت الطلبات للاستئجار، ثم نظر فيها مجلس الإمارة، و أعان السيد عبد الرؤوف باستشاراته القيمة بهذا الخصوص، و انتخب منهم 50 أو 60 مستأجرا معتدلا موثقا و أرسل إليهم الرسائل التي تفيد أنه تجب مراعاة جميع شروط الاستيجار.

 

بناء قاعة سليمان

وقد انعقد مؤتمرا في دار العلوم كذكرى مئوية لميلاد العلامة السيد سليمان الندوي عام 1985م، و من ضمن المقتراحات التي قدمت في هذا المؤتمر مقترح لإنشاء مكتبة باسم السيد سليمان الندوي.

كان الشيخ رجلا عمليا و هو الذي دعا لهذا المؤتمر لذا شعر بمسؤوليته في القيام بالمقترحات و بدأ عمل المكتبة و قاعة سليمان قبل وفاته، و أخيرا تم العمل حسب الخطة.

 

بناء سكن جديد للطلاب

شعر أهل الرأي بحاجة إلى سكن جديد لتطوير النظام التعليمي و نظرا إلى تزايد عدد الطلبة، فقدم في حفلة الشورى المنعقدة في 19 أبريل 2015م مقترح لبناء سكن جديد للطلاب يمتاز بالوسائل الجديدة و التسهيلات المهمة للطلبة، فقبل هذا المقترح و قرر بناء هذا السكن في الناحية الشمالية من المسجد على شاطئ الغدير.

ووضع الحجر الأساسي لهذا البناء بيد المدير السابق سعيد ميان المجددي رحمه الله في 22 يناير 2017م، وقرر أن يبنى طابقان من هذا البناء في الحفرة العميقة لكي لا يكون هذا البناء عائقا دون منظر تاج المساجد الخلاب رغم كونها ذات ثلاث طبقات. و يبنى هذا البناء في مساحة كبيرة جدا و في كل طابق منه غرفة أنيقة للمشرف و أربعون مرحاضا واسعا و النوافذ الخشبية و الفرش الجميل.

و يسع هذا البناء لسكنة 600 طالب بسهولة و يسر. و قدر المهندسون أن هذا البناء يقتضي 80 مليونا.

الحصول على مكان دي بي آي القديم

 

كانت الحديقة الواقعة في غرب المسجد ومكتب دي بي آي مشتملة في الحوار الذي كان يدور مع الحكومة للحصول على آراضي تاج المساجد لأن هذا هو المكان الذي كان طلاب المدرسة الجهانكيرية يسكنه في أيام شاهجهان بيغم، و لكن الحكومة رفضت منح هذه الآراضي و المدرسة العبيدية حين ذاك، فقرر أعضاء الشورى أن يؤخذ الآراضي التي تمنح الآن ويستمر الجهود للحصول على الآراضي الباقية.

وقدم السيد إبراهيم القريشي رئيس هيئة الأقليات سابقا مقترحا لنقل مكاتب المؤسسات الإسلامية في هذا الرحاب، ليقلّ خطر قيام الشرطة و رجال العسكر في هذا المكان، و تجتمع مؤسسات المسلمين في مكان واحد. كان الموصوف ذكيا فطنا و مهتما بأمور المسلمين.

حصل لدار العلوم الأرض الخالية مع غرفاته الرقيقة الحال، و حصلت الأبنية المهمة للجنة المساجد وهيئة الوقف و إدارة أوقاف العامّة و لجنة الحج، فاجتمعت مكاتب المسلمين في مكان واحد.

 

الميدان الجنوبي و الشمالي حول تاج المساجد

يقع ميدان في جنوب تاج المساجد، مساحته 5,22,720 قدما، وميدان في الشمال أيضا مساحته 87,120 قدما، و حصل هذان لدار العلوم بعد مضي 25 عاما في المحاكمات والمرافعات على اتفاقية لمدة ثلاثين سنة كراء، و قد امتدت المدة عام 2004م لثلاثين سنة من جديد، و قد بنيت في الميدان الجنوبي دكاكين تنتج المكاسب لدار العلوم، و بنيت القاعات لدار العلوم في الجزء الأعلى من الدكاكين، و أحيطت حدود دار العلوم بجدار من الجوانب الأربعة. و بني سكن للطلبة في الميدان الشمالي.

و هناك ميدان آخر في الجهة الغربية من دار العلوم، و هو ملحق بالمسجد، و هو أيضا تحت إشراف دار العلوم، و مساحته 65,340 قدما، و بنيت فيه غرفة الألعاب الداخلية وغيرها من مرافق الطلبة، هكذا أصبحت دار العلوم مؤسسة دينية واسعة.

الشيخ محمد عمران خان و تأسيس دار العلوم

 

كانت إمارة بهوبال انضمت إلى الاتحاد الهندي في 1 يونيو 1949م في أيام نواب حميد الله خان، و أصبحت الهند بلدا جمهوريا علمانيا، و يعني ذلك أن جميع الفرق و أهل الديانات و الثقافات يكونون أحرارا في دينهم و ثقافتهم و لهم الحق في اعتناق دينهم و ممارسة شعائرهم و تقاليدهم، لأن الحكومة اللادينية العلمانية لا تقوم بوضع المناهج التعليمية والتربوية و النظم الاجتماعية لجميع الفرق على حدة، و كان من لوازم هذا النظام اللاديني أن المسلمين أصبحوا مسؤولين عن حفظ مؤسساتهم الدينية و التعليمية بأنفسهم، كانت الحكومة مسؤولة عن الأمور الدينية للمسلمين وغير المسلمين في إمارة بهوبال قبل انضمامها فكانت تنفق عليها جميعا بغير انهياز، ولكن الحكومة العلمانية مسئولة أن تسوي الجميع في الحقوق و العلوم المدنية، أمّا الأمور الدينية فعلى أهلها القيام بها و الحفاظ عليها حتى يستطيع كل من أهل الديانات أن يحفظوا دينهم و شعائرهم و تقاليدهم و تراثهم العلمي و الفكري و ينشر كتبهم المقدسة. و نتيجة لهذا التيار العلماني بذلت كل الجهود إلى نشر العلوم العصرية بعد تحرر الهند فورا، و هو ما أدى إلى الغفلة عن الدين و الابتعاد عنه

فكانت البلاد تمر بهذه الأحوال العصيبة و كان كل من أهل الفكر و الرأي يرى سيلا جارفا يريد أن يسيل بالمسلمين إلى بحار الغفلة عن الدين و الاستنكار من تراثهم، لو لم يسد طريقه بسدود التعليم الديني، لأننا سوف نكون مثقفين بعد الحصول على التعليم العصري، و لكن نكون غافلين عن الله و توحيده. هذا ما شعره الشيخ عمران خان مدير دار العلوم لندوة العلماء، إذ كان يعرف جيدا أن الأمم والملل تصيبها الغفلة و اليأس إذا رفع عنهم إشراف الحكومة في تعليمهم الديني، و سرعان ما يحرم من تراثهم العلمي و الديني و مبادئهم الفكرية.

أخبر الشيخ محمد عمران خان بقلقه و اضطرابه أستاذه العلامة السيد سليمان الندوي، و كان الأستاذ يعرف مؤهلاته العلمية و الإدارية، و كانت دار العلوم لندوة العلماء أيضا تمر بأحوال عصيبة، و لكن وجد طريقا وسطا بمشاورة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي والشاه محمد يعقوب المجدّدي رحمهما الله و هو أن يقضي الشيخ عمران خان الندوي نصف الشهر في بهوبال و النصف الآخر في لكناؤ، هكذا استطاع الشيخ أن ينشئ معهدا دينيا في بهوبال.

لقد بدأت الجهود لإنشائه عام 1948-1949م، و في تلك الأيام انعقدت حفلة للعلماء و الفضلاء في المسجد الجامع ببهوبال تحت رئاسة العلامة السيد سليمان الندوي، و قرر فيها إنشاء دار العلوم على طراز دار العلوم لندوة العلماء تحت إشراف الشيخ عمران خان، فأسست هذه الدار في مسجد شكور خان في 1 يونيو 1949م، و سميت بدار العلوم بهوبال.

و بقيت الدار في ذلك المكان لمدة 13 شهرا ثم انتقلت إلى أعظم المساجد في العالم 20 يوليو 1950م، و حضر العلماء و عدد كبير من المسلمين في حفلة الافتتاح، و سميت هذه الدار بدار العلوم تاج المساجد، و خدم الشيخ محمد عمران خان هذه الدار لوجه الله بدون عوض، و أصبح هذا النبات الصغير شجرا مثمرا كبيرا تحت إشرافه.

اهتمّ مؤسس دار العلوم في وضع منهجه التعليمي و التربوي اهتماما بليغا أن تكون طبقا للمبادئ الإسلامية السامية. لأن الإسلام مصدر للهداية الإنسانية، و يحمل في طيه الأجوبة على جميع الأسئلة التي ترِد في ذهن الإنسان إلى يوم القيامة سواء كان السؤال يتعلق بالعلم أو الفكر أو غير ذلك. فلذا لا يمكن التغيير في مبادئ الإسلام و لكن فروعه تتغير حسب تغير الأحوال، هذا هو الأساس الذي بني فكر دار العلوم لندوة العلماء عليه، و هو الذي يمتاز به فكر دار العلوم تاج المساجد.

تحملت دار العلوم من أول يومها ثلاثة أعمال مهمة و بذلت جهدها المستطاع للقيام بها:

التعليم

يشتمل التعليم على قسم تحفيظ القرآن و المرحلة الابتدائية و الثانوية و العالية، و يشمل منهجه التعليمي اللغة الهندية و الإنجليزية و العلوم العصرية مع العلوم الدينية، و قد تفرغ من دار العلوم مآت من الحفاظ و العلماء بتوفيق الله تعالى.

 

ورود المبعوث المصري

كان للشيخ عمران خان علاقة قوية مع جامعة الأزهر، و كان أول طالب هندي حصل على شهادة التخصص (الماجستير) هناك، و إلا كان الطلاب الذين يذهبون من قبله إلى الجامعة لا يمنحون إلا شهادة صغيرة تسمى عالمية الغرباء، و لكن الشيخ انتخب للتخصص بجهوده و مؤهلاته و حصل على درجة ممتازة فيه و أصبح معروفا لدى جميع الأساتذة و الطلاب، لذا أرسلته الجامعة إلى مكة المكرمة للحج على نفقاتها.

فحملته هذه العلاقة القديمة على الذهاب إلى مصر أيضا لما توجه إلى ليبيا و أفريقيا عام 1968م، فاستقبله شيخ الجامعة حسن مأمون استقبالا حارا، و في أثناء اللقاء ذكر الشيخ أمنيته في إرسال مبعوث من الأزهر الشريف لدار العلوم، فقبله شيخ الأزهر و أرسل الشيخ محسوب أحمد إبراهيم النجار و كان الشيخ عالما شابا ذا مؤهلات، و ورد بهوبال ممثلا لجامعة الأزهر، فتغلغل بوروده حب اللغة العربية في قلوب الطلاب، و نمّى الشيخ مواهب الكتابة و الخطابة فيهم، بقي هنا لمدة طويلة، و صار محبوبا لدى الطلبة و الأساتذة بل لأهل بهوبال أجمع بأخلاقه العالية، و تحقق به حلم الشيخ أن تنال دار العلوم مكانة عالمية.

إن الدار التي بدأت و هي صغيرة و ليس فيها إلا سبعة طلاب و أستاذان أصبحت مركزا مهما للولاية. و رفعت شأنها علاقتها مع التبليغ و الندوة، و ليس هذا إلا بفضل الله و كرمه و إخلاص عبده المؤمن الخاشع لله، و قد تفرغ منها مآت من الحفاظ و العلماء الذين يقومون بخدمات جليلة في مختلف المجالات.

المؤتمرات الهامّة

 

اجتماع لجنة العمل لمؤتمر الطب اليوناني لعموم الهند (17،16 مارس 1974م)

يعد علم الطب من أعظم معالم الحضارة الاسلامية في الهند، بدأت أهميته تتضاءل بمرور الوقت، لم يزل مؤتمر الطبي اليوناني لعموم الهند يعمل بلا كلل لمسح هذه المرآة. قررت لجنة العمل التابعة لها عقد اجتماع في بهوبال بسبب مركزية تاج المساجد فيها. فاتصل المسؤولون بالشيخ عمران خان رحمه الله أمير دار العلوم تاج المساجد، فرحّب الشيخ رحمه الله بعقده، وعقد هذا الاجتماع في 17،16 مارس 1974م. كان موضوعه “الترويج للطب اليوناني”. اجتمعت لجنة عملها في 16 مارس برئاسة الحكيم المرموق من شبه قارة الهندية عبد الحميد مدير “همدرد” (وقف). كما ترأس الحكيم عبد الحميد اجتماع المؤتمر حول الترويج اليوناني في 17 مارس.

لعل جميع أطباء الهند اجتمعوا لأول مرة في هذا المؤتمر. ولا تزال آثار الطب القديم باقية في بهوبال، فشارك فيه عدد كبير من أطبائها، واستمر ذكر هذا المؤتمر لفترة طويلة وأصدر المشاركون قرارا مهمًّا أنّ حكومة ولاية مدهيا براديش يجب أن تبذل جهودا لتعزيز الطب اليوناني. وأعرب جميع المشاركين عن تقديرهم للإدارة الجيدة لدار العلوم، وشكروا على تنظيم هذا المؤتمر، وهنّأوه على نجاحه، ومن نعمة هذا المؤتمر أن عدد المستشفيات اليونانية في ولاية مدهيا براديش أكبر منه في ولايات الهند الأخرى. كما أن عدد الأطباء في الصيدليات الحكومية كبير. كان للشيخ سلمان خان الندوي دور فعال في إنجاح هذا المؤتمر.

 

الاجتماع السابع لمؤتمر الدراسات الاسلامية لعموم الهند (9،11 سبتمبر 1974م)

تأسّس مؤتمر الدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية عليكره عام 1958م. ومنذ ذلك الوقت لم تزل تعقد اجتماعاته كل عامين، عقدت الاجتماعات الثلاثة من 1958م و 1960م و 1962م في عليكره. وعقد الاجتماع الرابع في حيدرآباد بدعوة من الجامعة العثمانية. وعقد الاجتماع الخامس في الجامعة الملّية الإسلامية بدلهي عام 1967م. وعقد الاجتماع السادس في دار المصنفين لأعظم كره، وكان من المقرر عقد الاجتماع السابع في دار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ لكن ما زال يؤجّل لبعض الأسباب إلى مدة أربع سنوات. وأخيرا قبل الشيخ عمران رحمه الله استضافته في دار العلوم تاج المساجد بناءً على إصرار منظمي المؤتمر وبتوصية سماحة الشيخ أبي الحسن علي الندوي وحددت مواعيده في 11،10،9 سبتمبر عام 1974م.

حضر الاجتماع 55 عالما ومفکرا لم یتمکن رئیس المؤتمر البروفیسور عبد العلیم من الحضور بسبب الاعتلال، فافتتح المؤتمر الشیخ السید أبو الحسن علي الحسني الندوي، وألقى الشيخ محمد عمران خان الندوي الكلمة الرئيسية التي أبهرت الحضور.

قدمت سبعة وعشرون بحثاً (10 باللغة الانجليزية و 9 باللغة الأردية و 6 باللغة العربيّة و 2 بالفارسية) في الاجتماع الذي استمرّ ثلاثة أيام. وعقدت الحفلة الختامية في 11 سبتمبر عام 1974م. بينما شكر البروفيسور سيد مقبول أحمد (أمين المؤتمر العام) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ولجميع المندوبين، خرج من لسانه أيضا كلمات مقبولة في نفس الوقت يمكن أن تسمّى “مناجات مقبولة”. هذا التقدير الصادق والإشادة من لسان مفكر عصري لخدمات الشيخ عمران رحمه الله كان في الواقع تكريما لطبقة العلماء، فقال فيه:

“في الحقيقة كان اقتراح سير سيد أحمد لإنشاء مدرسة وبدأت باسم مدرسة العلوم تحقيقا لذلك الاقتراح ولكن آلت الظروف أن تحوّلت هذه المدرسة إلى جامعة في 1920م، وكانت تلك الدار تعرف باسم دار العلوم لمسلمي الهند، وتدرس فيها الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام واللغة العربية وآدابها. هذه هي الممارسة نفسها التي أراها في هذه الدار دار العلوم تاج المساجد. إذا استمرت إدارة الشيخ (محمد عمران خان الندوي) فلن يكون اليوم بعيدا حيث ستكون دار العلوم الموجودة في هذا المسجد مدرسة كبيرة دينية، وستكون مصدر سعادة للهند ومصدر فخر للمسلمين، لأجل ذلك أعتقد أن السيد عمران خان الندوي ليس فقط “شاهجهان ملك المغول المشهور الثاني” بل أيضا “سير سيد أحمد خان” في هذا الوقت، ويحصل على هذه المكانة عدد قليل جدا من الناس، نحن مجرد أشخاص نقوم بالتدريس ونشتغل في العلم والتعليم، لكن من الصعب جدا تنفيذ أعمال البناء وإكمالها. لقد عقدنا ثلاث اجتماعات لهذا المؤتمر في عليكره، ونحن ندرك جيدا الصعوبات الإدارية والمشاكل والمتاعب التي تطرأ في عقد مثل هذه المؤتمرات، ففي ظل جميع هذه الصعوبات عندما نرى الإدارة الجيدة والنظام الحسن والنجاح لهذا المؤتمر نريد أن نثني عليه، والفضل في ذلك يعود إلى المواهب المعروفة للشيخ محمد عمران خان الندوي”.

و في الختام عبر رئيس الاجتماع الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي عن سعادته ورضاه بنجاح الاجتماع.

كان للدكتور مسعود الرحمان خان الندوي دور فعّال في إنجاح هذا الاجتماع، وقد حافظ على وقائع هذه الندوة من خلال العدد الخاص من “نشان منزل” المجلة الخاصّة لدار العلوم تذكارا للمؤتمر السابع للدراسات الإسلامية لعموم الهند، والذي أصبح وضعه الآن وثيقة علمية.

 

المهرجان العلمي بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد “العلامة السيد سليمان الندوي” المنعقدة في 4 سبتمبر إلى 6 سبتمبر عام 1985م

هذه الندوة التي تنسب إلى العلامة السيد سليمان الندوي كانت حلقة أخيرة لسلسلة الندوات و المؤتمرات التي عقدت بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده استمر هذا الاجتماع أيضا ثلاثة أيام، بدأ في 4 سبتمبر وانتهى في 6 سبتمبر عام 1985م.

إنّ العلامة السيد سليمان الندوي هو من الشخصيات القليلة في تاريخ المشرق للعلم والأدب والدين والحكمة الذين لم يعرقل حجاب المعاصرة في اعتراف خدماتهم العلمية والأدبية والدينية ولم يتضاءل تقديرهم منذ ذلك الحين، بل تضاعف مع مرور الوقت دفء الإخلاص والحب ومشاعر الامتنان والتقدير، شوهد صدى تعبيره العاطفي الصادق بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لميلاده عندما أقيمت الاحتفالات في ذكرياته السعيدة ليس فقط في شبه القارة الهندية ولكن أيضا في فرنسا.

أقيم العديد من الفعاليات في باكستان في هذا الصدد، وبالمثل كانت هناك فعاليات كثيرة في فرنسا بمبادرة من الدكتور محمد حميد الله (الذي تأثر كثيرا بالسيد سليمان)، وحضر أناس من شبه القارة الهندية في عديد من الحفلات والتجمعات، وكذا نشر برنامج رائع عن الإنجازات العلمية والأدبية للراحل العلامة على التلفزيون الحكومي الفرنسي.

وكان لقسم اللغة الأردية لجامعة عليكره الإسلامية قصب السبق لبدء هذه الاحتفالات في الهند، فقد انعقد بها مذاكرة علمية لمدة يومين في 9 نوفمبر عام 1983م. وبعد ذلك عقدت “أكاديمية بهار” ندوة لمدة ثلاثة أيام في “باتنا” من 1 إلى 3 ديسمبر، وعقد حفل من نفس السلسلة الميمونة تحت إدارة “جمعية ارتقاء اللغة الأردية لعموم الهند” في دار الأردية بدلهي لمدة يومين من 9 الى 10 مارس عام 1985م.

كان مسك الختام لاحتفالات عموم الهند بمناسبة الذكرى المئوية هو الاحتفال العلمي والأدبي للحفلة السليمانية الذي استمر ثلاثة أيام تحت رعاية دار العلوم تاج المساجد بهوبال من 4 إلى 6 سبتمبر عام 1985م الذي أقيم بدعوة من تلميذه الفاضل محمد عمران خان الندوي رحمه الله, وكان معالي عمرو موسى (سفير جمهورية مصر العربية لدى الهند) الضيف الخاص. افتتح معالي سيد هاشم علي (شيخ الجامعة الإسلامية, عليكره) الحفلة، وقدم السيد صباح الدين عبد الرحمان (ناظم دار المصنفين أعظم كره) الكلمة الرئيسية.

إنما عقد هذا الحفل من قبل العلماء لتكريم الخدمات العلمية والأدبية والدينية والوطنية التي لا تنسى للراحل العلامة، لكن التمثيل الكامل للفئات الأخرى من العلماء والمدارس الفكرية كان سمة بارزة له، كتب خمسون كاتبا بحوثا قيمة لهذا الحفل التذكاري الذي كان في الغالب مخصصا لإبراز العلوم والفنون السليمانية.

كما أقيم معرض رائع أيضا بهذه المناسبة السارة، نظّمه الأستاذ الشهير في الكلية “سيفية” البروفيسور عبد القوي دسناوي، وافتتحه مشرف زاوية “خانقاه المجددية” ولاحقا مدير دار العلوم تاج المساجد الشيخ محمد سعيد المجددي رحمه الله. جمعت فيه مؤلفات الراحل العلامة و رسائله وفتاواه وقراراته المحكمية وتأليفات العلماء الآخرين المكتوبة عليه، وعلّقت آراء مشاهير العلماء والسياسيين عنه في شكل لوحات ملونة جميلة.

حضر الندوة فضلاء من دار المصنفين أعظم كره ودار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ وجامعة عليكره الإسلامية وجامعة الملّية الإسلامية بدلهي وجامعة جواهر لال نهرو وجامعة دلهي وجامعة بهوبال ومراكز تعليمية أخرى في بهوبال.

بدأت جلسات تقديم البحوث في ٤ سبتمبر 1985م بعد صلاة الظهر، وكانت هناك جلستان في 5 و 6 سبتمبر صباحا وبعد صلاة الظهر, فتم تقديم ثلاثين بحثا في خمس جلسات, في البداية كان هناك الكثير من النقاش, فلم يمكن قراءة المقالات العشرين الآخرين لكن ألحقت في مذكرة الحفلة, يمكن قياس تنوع مواضيع البحوث وجودتها العلمية والبحثية من “الدراسة السليمانية” لتلك الندوة. إن الاجتهاد والمواظبة التي شارك به جميع المندوبين والمفكرين المحليين في جميع الجلسات، والحماس الذي استمعوا به إلى البحوث وشاركوا في المناقشات، نادرا ما يظهر في الندوات العادية أو التقليدية، كانت كلمات السيد هاشم علي شيخ الجامعة الإسلامية في عليكره ترجمانا لمشاعر جميع المشاركين التي ألقاها أثناء رئاسته في جلسة اليوم الثالث, فقال:

“قد احتوت البحوث على جميع الموضوعات العلمية والدينية والسياسية والقومية والشعر والأدب والشخصية التي يمكن أن تكون مرتبطة بإنجازات السيد العلامة، على الرغم من أن الاتجاه السائد كان لتسليط الضوء على إنجازاته العلمية.

وكان الشيخ محمد عمران خان رحمه الله مولعا بانعقاد هذه الندوة، رغم أن صحته لم تكن قادرة على تحملها, لكن التفاني والاتصال بالسيد العلامة حمله على أن يتم عقد هذه الحفلة في أسرع وقت ممكن، فقد كان مع ضعفه وسوء صحته يراقب كل شيء باستمرار ويهتم بكل شيء بنفسه.

كتب البروفيسور مسعود الرحمان خان الندوي الأزهري (رئيس قسم الدراسات الآسوية بجامعة عليكره سابقا) في “مذكرة الحفلة”:

“إن إرشادات العم المحترم الشيخ محمد عمران خان الندوي الأزهري خطوة بخطوة معروفة لا يحتاج إلى البيان، فقد شاهدنا مظاهرات حية لمعنوياته الرفيعة وعزمه العالي في هذه الأيام الثلاثة رغم وضعه الصحي الحالي, والحقيقة هي أن عقد هذه الحفلة يرجع بالكامل الى أمنيته القلبية الصادقة التي كانت عبأ على قلبه وفكره حتى إنها قد بلغت في الآونة الأخيرة إلى حد لم يكن في وسعه أن يؤخر انعقاد هذه الندوة أكثر من ذلك”.

للبروفيسور مسعود الرحمان الذي كان ناظما للحفلة دور فعّال في تنظيم هذه الندوة وإدارتها واختتامها بنجاح، وكذلك يرجع الفضل إليه في نجاح جميع الندوات والمؤتمرات التي أقيمت في دار العلوم تاج المساجد. ولذا جعله الراحل الشيخ رحمه الله مدير هذه الندوة، وعمل بجد ليلا ونهارا لإنجاحها، ولذا قد كتب صحيحا البروفيسور إقبال أحمد الأنصاري المرتّب لتقرير الحفلة في تقريره:

عندما وقف الدكتور مسعود الرحمان خان الندوي (ناظم الحفلة) لقراءة تقريره أدرك جميع المشاركين أنه بعد العزم والحماس لداعي الحفلة كان لعمله الجاد وجهوده الجبارة تأثير كبير على نجاح هذه الحفلة.

 

المؤتمر العلمي السنوي السابع لرابطة الأدب الإسلامي في دار العلوم لتاج المساجد بوفال

عقد المؤتمر العلمي والأدبي السابع للرابطة الدولية للأدب الإسلامي (فرع الهند) تحت إدارة دار العلوم تاج المساجد وبتعاونه الصادق حول موضوع الدعوة والأدب الإصلاحي في 4 و 5 و 6 ربيع الثاني الموافق 13 و 14 و 15 أكتوبر 1991م، وانتهى بنجاح عظيم، قدّم فيه 29 بحثا باللغة الأردية وعشرة بحوث باللغة العربية. افتتح الاجتماع فضيلة الشيخ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رئيس رابطة الأدب الإسلامي في الساعة العاشرة صباح يوم 13 أكتوبر. وألقى ممثّل رابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن ناصر العبودي القادم من الحجاز لهذا الغرض كلمة في الجلسة الافتتاحية. وقدّم الشيخ حبيب ريحان خان الندوي الأزهري ممثّل المدير لدار العلوم تاج المساجد ومشرف شئون التعليمية فيها خطبة الترحيب, وشكر الشيخ محمد سعيد المجددي رحمه الله والشيخ محمد لقمان خان الندوي الأزهري نائب العميد لدار العلوم جميع الضيوف والمندوبين.

بعد الجلسة الافتتاحية استمرت جلسات البحوث هذه لمدة ثلاثة أيام، جلسة بعد صلاة المغرب وجلسة من 9 إلى 11 نهارا، ثم من 11:30 الى 1:30 ظهراً، وقد ترأس هذه الاجتماعات العلمية الشيخ عبد الرشيد النعماني (باكستان) و الشيخ عبد الله عباس الندوي والبروفيسور ضياء الحسن الفاروقي والشيخ سعيد الرحمان الأعظمي الندوي و البروفيسور محمد راشد الندوي. وقام الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي والشيخ عبد النور الندوي و الدكتور ياسين مظهر الصديقي و السيد ضياء الحسن الندوي والشيخ السيد شرافت علي الندوي بواجبات إدارة الجلسات.

كانت هناك سلسلة مفيدة من الأسئلة والأجوبة في نهاية كل جلسة علمية. بالإضافة إلى الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي الأمين العام لرابطة الأدب الإسلامي و مساعده الشيخ عبد النور الندوي أجاب الأستاذ ضياء الحسن الفاروقي و الشيخ عبد الله عباس الندوي على أسئلة مشاركي الحفلة حول الجوانب الجمالية و الأيدولوجية للأدب، وألقى الضوء على الخلفية لقيام رابطة الأدب الإسلامي وأسبابها ودواعيها وتاريخها.

وترأس الجلسة الختامية الشيخ السيد أبو الحسن علي الندوي, وأظهر أمله في خطابه المؤثر و القوي أن الكتاب والمثقفين بأنّهم لا يقودون قافلة الأدب الإصلاحي فحسب بل يساهمون في تحرير الأدب من الثقافة والفكر الدكتاتوري السائد باسم الأدب.

بمناسبة وجود الشيخ أبي الحسن علي الندوي في بهوبال نظم أهالي بهوبال اجتماعا لرسالة الإنسانية مساء 12 أكتوبر, فخاطب الشيخ رحمه الله فيه خطابا جذابا.

أعرب جميع المشاركين والمندوبين عن تقديرهم الكبير لإدارة دار العلوم وضيافته الجبّارة خلال المؤتمر.

الخدمات التعليمية لدار العلوم

 

لقد مضى أكثر من واحد وسبعين سنة لقيام دار العلوم تاج المساجد، ويمكننا تقديم الخدمات التي قدمتها دار العلوم خلال هذه الفترة بإيجاز فيما يلي:

تخرّج حتى الآن أكثر من ألف طالب من دار العلوم، وحصلوا على شهادات عالية من دار العلوم لندوة العلماء ومراكز تعليمية أخرى، قبل عام 1986م لم تكن الشهادة العالمية تمنح في دار العلوم وكان الطلاب يذهبون إلى ندوة العلماء بلكناؤ أو دار العلوم لديوبند أو مظاهر العلوم لسهارنبور أو الدول العربية لإكمال تعليمهم، ولكن الآن تمنح شهادة العالمية من دار العلوم, وقد حفظ القرآن فيها أكثر من ألف وخمس مأة طالب إلى الآن.

لا يخلو مكان في الهند وخارجها إلا وفيها أحد من خرّيجي دار العلوم يقوم بخدمة الإسلام والعلوم الشرعية كما أنّ عددا كبيرا من هؤلاء الخريجين قد أنشأوا المعاهد الدينية ومراكز تحفيظ القرآن في مناطقهم، ويشاركون في الخدمة بكل إخلاص.

 

الوعي الديني والثقافي

إنّ آثار الصحوة الدينية والثقافية التي قامت بها دار العلوم تاج المساجد في هذه الفترة البالغة إحدى وسبعين سنة لا تخفى على عين ناظر في مقاطعة مدهيا براديش بأكملها وخاصة في مدينة بهوبال.

ما زال الاجتماع السنوي لجماعة التبليغ ينعقد باستمرار في هذه المدينة من عام 1948م الى 2002م تحت اشراف دار العلوم، كان دار العلوم يبذل قصارى جهده في انجاح هذا التجمع العظيم.

 

الانتساب إلى الجامعات و المراكز التعليمية الإسلامية

لم يزل دار العلوم تاج المساجد مرتبطا بالمعاهد والمراكز الإسلامية في الهند منذ البداية، وعديد من المدارس في مدهيا براديش تابعة لدار العلوم، وبعض منها تحاول الانضمام إلى دار العلوم.

كان لدار العلوم علاقة وثيقة بدار العلوم لندوة العلماء منذ أوّل يوم لتأسيسها، وكذا لها علاقة قديمة مع جامعة الأزهر، كان مؤسس دار العلوم الشيخ محمد عمران خان الندوي الأزهري قد تخرج من جامعة الأزهر، و بعض المعلمين أيضا في دار العلوم كانوا من خريجيها، وطلاب دار العلوم يذهبون أيضا إلىها، وكذلك مارس التدريس في دار العلوم الأستاذان مبعوثان من الأزهر الشريف بالتدريس أحدهما محسوب إبراهيم النجّار، الذي درّس لمدة عامين في دار العلوم، والآخر الأستاذ عبد الفتّاح علي رزق الذي قد درّس في هذه الدار أربع سنوات.

وشهادة دار العلوم العالمية تعادل شهادة البكالوريوس في جامعة عليكره, ويمكن للطلاب اللحوق في قسم الدينيات والإسلاميات واللغة العربية والطب اليوناني بشهادتنا.

حركة التبليغ

 

من الواضح أن تعليم العلوم الدينية والترويج لها هو أكبر سبب لنشر الإسلام وإشاعته، ولكن قد تم عقد اجتماع التبليغ السنوي في هذا المسجد كتطبيق عملي منذ عام 1948م إلى 2002م, كانت دار العلوم تتشرف بضيافته وتتولى جميع شؤون تنسيقه, ولا يزال طلاب دار العلوم تاج المساجد يشاركون في اجتماعات حركة التبليغ ويخرجون في أسفارها.

انتشر عمل حركة التبليغ بسرعة فائقة في بهوبال والمناطق المجاورة لها بمساعي الشيخ محمد عمران خان الندوي ونشاطه في الدعوة والتبليغ مثل أمراؤتي و برار و إندور وأجّين و غيرها حتى أن بهوبال كان يعد من أكبر المعاقل لهذه الحركة بعد دلهي وميوات في غضون 1948م و 1949م.

بدأ الشيخ محمد إلياس رحمه الله عمل الدعوة والتبليغ بنشاط كبير من ميوات عام 1926م وبعد التعرف عن هذا العمل انضم بعض العلماء البارزين إليه تدريجيا وفي هذا الصدد التقى لأول مرّة الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله بالشيخ محمد إلياس رحمه الله عام 1940م وأصبح الشيخ علي الندوي نشيطا للغاية، وبدأ بدعوته إلى دائرة أصدقائه.

 

بداية العلاقة للشيخ محمد عمران خان مع حركة التبليغ

لما أن الشيخ محمد عمران خان الندوي كان على علاقة وثيقة مع الشيخ علي الندوي فقبل دعوته بسرور، وارتبط بهذه الحركة لدرجة أنه لا يزال يشارك في جميع اجتماعات الحركة ونشاطاتها في لكناؤ وحولها. يكتب الشيخ علي الندوي رحمه الله:

“أنه حاول أيضا حضور جولات اجتماعات مهمة لميوات، و يرافقه في أكثر تلك الرحلات الشيخ محمد عمران خان الندوي مدير دار العلوم لندوة العلماء، وكان ذلك سببا لارتباطه بالشيخ إلياس رحمه الله و استفاد كثيرا من زيارة الشيخ ورفقته ومن هذه الدعوة، وأصبح الشيخ عمران خان الندوي النواة الأولى و الداعي الأول لهذا الجهد الديني في بهوبال وإليه يرجع الفضل في انعقاد الاجتماع التبليغي هناك الذي قد أصبح الآن أكبر اجتماع تبليغي في الهند”.

كان يحتل الشيخ عمران خان مكانة علمية عظيمة في الأوساط الهندية من قبل وكان سبب ذلك حصوله على شهادة الفضيلة من دار العلوم لندوة العلماء وكذا شهادة التخصص في الفرقة الأولى والمركز الأول كأول هندي في جامعة الأزهر ثم كونه عميدا لندوة العلماء، عندما أقيمت علاقاته مع الشيخ محمد إلياس رحمه الله طلب الشيخ إلياس رحمه الله منه أن يلفت انتباه ابنه الشيخ محمد يوسف إلى حركة التبليغ، لأنه لم يكن مهتما بها تماما في ذلك الوقت بسبب اشتغاله بالعلم والأدب، فلعب الشيخ عمران خان الندوي رحمه الله دورا هامّا في انعطافه إلى هذا الجانب.

 

خصائص اجتماع بهوبال

 

من سمات اجتماع بهوبال, أنه يقع في وسط الهند، فمن السهل القدوم إليه من كل مكان، والطقس هنا يكون أكثر اعتدالا في شهر ديسمبر منه في شمال الهند، وهنا يتم تزويد المشاركين بالتسهيلات التي لا تكاد تكون متاحة في أي اجتماع آخر في الهند، وذلك لأنّ جميع المشاريع والأعمال البنائية كانت ترسم مع مراعاة الاجتماع السنوي في دار العلوم تاج المساجد بهوبال، فبني ما لا يقل عن مأة من المراحيض الحديثة التي لا تستعمل إلا بمناسبة الاجتماع، و كذلك تستعمل غرف دار الإقامة بسبب العطلة, يسكن هناك القادمون من مختلف الولايات حتى يمكنهم القيام بشكل مريح، فكان يحضر كثير من العلماء والفضلاء والتجار والأشخاص الجدد، ولا شك أن الأشخاص المهمين والمميزين كانوا يحضرون هذا الاجتماع أكثر من غيرهم مع أن المكان بدأ يضيق نظرا إلى الازدحام والعدد الكبير من المساهمين. لم يبلغ عدد المشتركين في الاجتماع الأول عام 1948م خمس مأة شخص، و في عام 2001م عندما عقد الاجتماع الأخير في تاج المساجد اشترك فيها ما لا يقل عن مأة وخمسين ألف شخص. في الاجتماعات البدائية كان يرتّب الطعام اجتماعيا، فيوزّع على الشركاء بالثمن فيطعمون المشاركين وكان يستغرق الفطور والطعام أكثر من خمس أو ست ساعات ولذلك قرّر فيما بعد بإقامة مطاعم في الميدان تسهيلا لعملية الطعام، وتمكّن المسؤولون أن يحرّروا أنفسهم لأمور أخرى ثم بدأت تستخدم هذه الطريقة في الاجتماعات الأخرى.

 

اجتماع بهوبال وبركاته

إنّ لاجتماع بهوبال بركات كثيرة لأن الآلاف والملايين من عباد الله يأتون إلى هنا من كل مكان، ينفقون أموالهم ويتحملون المصاعب لله وحده يدعون الله ويتطلعون إلى تحسين هذه المدينة والبلد والعالم جميعا، لذلك نزلت نعمة الله الخاصة على سكان هذه المدينة، فبعض فوائد عقد هذا الاجتماع فيما يلي:

أ. نعمة الاجتماع الأولى أنّ مسلمي مدينة وإمارة بهوبال السابقة صمدوا و تركوا نية الهجرة و مغادرة الوطن، لأن في ذلك الوقت كانت الدعاية قوية ~خاصة في القرى~ أن جميع مسلمي الهند و بهوبال قد هاجروا، ولم يبق الآن مسلم واحد، لكن عندما رأى الناس خمس مأة رجل الذين أتوا من مناطق مختلفة من الهند تحلّى سكان المنطقة والمدينة ببعض الشجاعة، وتوقفت خطواتهم المذهلة وإلا لما بقي أحد هنا، لأن أشخاصا مهمين كانوا يهاجرون فما كان سيحدث للمساجد والمقابر في مثل هذه الحالة فحقق الله تعالى نفعا عظيما للناس ببركات هذا الاجتماع.

ب. بعد انهيار إمارة بهوبال لعب هذا الاجتماع وهذه الحركة دورا مهما في الحفاظ على جو الدين والإسلام والمحافظة عليه الذي كان سمة عظيمة لإمارة بهوبال، ولا يساوي أيّ إمارة أو ولاية سوى إمارة “تونك” في شبه القارة الهندية بأكملها هذه الإمارة العظيمة في تطهير المعتقدات وتنقيتها. لم يكن هناك بدع ولا عبادة القبور ولا جهل في الدين, وبذلت هذه الحركة قصارى جهدها لتحمل هذه المسؤولية بعد انهيار الإمارة.

ج. أكمل الله هذا المسجد العظيم ببركات الاجتماعات التبليغية لأنه عندما رأى جميع المشاركين خراب هذا المسجد الرائع كانوا يتألمون ويدعون الله، فلما بدأ الشيخ عمران خان رحمه الله حملة الإنجاز بتوجيه الشيخ الشاه محمد يعقوب المجددي رحمه الله فكان أهل التبليغ من أهم المعاونين و المشاركين.

د. بفضل هذا الاجتماع تم تعارف دار العلوم إلى جميع أنحاء العالم في فترة زمنية قصيرة جدا، وعادة ما تحصل جامعة أو مؤسسة على الشهرة في غضون سنوات قليلة في مثل هذا الوقت، لكن دار العلوم سرعان ما وجدت المتعاطفين والمحبين الذين كانوا مع دار العلوم بكل طريقة ممكنة، ولم يزالوا يقدمون كل أنواع التعاون.

ه. بسبب هذا الاجتماع ازدادت أهمية دار العلوم في أعين السلطات والحكام، فكانت السلطات تبذل اهتماما خاصا في دفع الصعوبات المتعلقة بالاجتماع ودار العلوم. حتى أنّ هذا الاجتماع لمّا انتقل إلى موضع “اينت كهيري” فالحمد لله لم يعان أيّ صعوبة أيضاً.

و. ومن أهم الميزات التي تلفت نظرات السلطات وإخواننا غير المسلمين أنّ جميع أمور المرور وغيرها تجري بشكل سلمي دون مساعدة من الشرطة لمدة ثلاثة أيام من غير تسجيل لحوادث شجار وسرقات وغيرها من الجرائم، مع أنّ السلطات المحلية تواجه صعوبات عظيمة في تعزيز الأمن في الظروف العادية ولا سيّما في التجمعات وإن كانت صغيرة لا تتجاوز خمس أو عشرة آلاف.