Views: 81
الأخبار
نبذة عن تاريخ المدارس وإفاديتها
إن الإسلام دين الله الحقّ الذي جعله دائما بنجوة من تحريف الغالين و تأويل الجاهلين، فهو كالورقة البيضاء الصافية التي لا تشوبها نقطة سوداء، و سيبقى كذلك إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى. و يكفي لنا دليلا على هذه الدعوى أن الله وفر لخدمة هذا الدين و نشر تعاليمه في كل ناحية من نواحي العالم و في كل زمن من الأزمان عددا كبيرا من العلماءِ الكرام و الشيوخِ العظام و المدارس الإسلامية التي قامت بمسؤوليتها أحسن القيام.
لما خرج الإسلام من مهده و ورد من البلاد عربها و عجمها، فما من منطقة وردها إلا ترك أثره العميق في قلوب أهلها، فبنوا بها المساجد و المدارس الإسلامية و الكتاتيب الدينية لنشر القرآن الكريم و السنة المطهرة، و هذا ما حدث في الهند حينما ألقى بها محمد بن القاسم عصا التسيار سنة 93هـ، فبدأت فيها سلسلة بناء المباني الدينية من المساجد و المدارس الإسلامية، و استمرت من ورود محمود الغزنوي سنة 1025م إلى نهاية الدولة المغلية سنة 1857م، و بقيت السلسلة مستمرة خلال أيام استبداد الإنجليز و بعد تحرر الهند إلى يومنا هذا.
لم يكن لهذه السلسلة صورة واحدة بل لها صور شتى، و لم تنحصر على طبقة دون طبقة، فتارة ظهرت على أيدي رجال السياسة و الحكومة، و تارة صارت إلى العلماء و الشيوخ، و تارة احتمل أعباءها العامة من المسلمين فبذلوا لها جهودهم و أنفسهم و أموالهم.
يقول الله عز وجل: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون“.
و قال النبي صلى الله عليه و سلم: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله تعالى لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى و هم على ذلك“. (متفق عليه).
الإسلام في مدينة بوفال
لم يحرم الله سبحانه و تعالى مدينة بوفال من أمثال هؤلاء الأبطال، بل عطر أجواءها بطيب الدين الزكي و نور أرضها بشمس الإسلام المشرقة و أخرج من بطون أمهاتها حملة الدين الحنيف الذين أقبلوا على بناء المساجد و تعميرها و اهتموا بنشر تعاليم الإسلام.
لم يزل استمر بناء المساجد و إدارتها و تدبير الأمور الدينية الأخرى من قبل رجال الحكم منذ بداية تأسيس إمارة بوفال سنة 1725م إلى انضمامها إلى دولة الهند. و لما طوي بساط الإمارة، انتقلت مسؤولية نشر التعاليم الإسلامية إلى عامة المسلمين، و لفتت إليها أنظار العلماء الربانيين و المثقفين المخلصين، فالتفتوا إليها خير الالتفات و أقبلوا عليها أحسن الإقبال، فتم بمشاور و مساعدة علماءهم و شيوخهم تأسيس مدرسة دينية في تاج المساجد تحت إشراف الشيخ محمد عمران خان الندوي الأزهري.
تأسيس تاج المساجد
شرعت أميرة بوفال نواب شاه جهان بيغم -رحمها الله تعالى- في بناء مسجد عظيم سنة 1887م بأحجار الحب و الإخلاص لله تعالى و لم ترد ببناءها إلا خدمة العلم و الدين، فاستمر بناء هذا المسجد إلى عام 1901ء و هو عام وفاتها، ثم توقف العمل بعد انتقالها إلى رحمة الله، و لم يشأ الله أن يكْمل ما حلمت به لا في أيام نواب سلطان جهان بيغم و لا في أيام نواب حميد الله خان رحمهما الله. ثم بدأ تكميل بنائه مع تأسيس المدرسة الدينية فيه، و كمُل بناء هذا المسجد العظيم التاريخي في نحو 50 عاما، و ذلك بفضل الله تعالى و بتبرعات ومساعي أهل المدينة و كثير من المؤمنين المخلصين من خدام العلم و الدين داخل الهند و خارجها. و خطت المدرسة أيضا خطوات إلى التقدم و الازدهار حتى أحرزت مكانةً مرموقةً من بين المدارس المشهورة في الهند، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
و لكن لا يتوقف عمل البناء و الإصلاح في هذا المسجد أبدا، و يقتضي بناءه الضخم و الأبنية المتنوعة في رحابه الأموالَ الطائلة على إصلاحها و الحفاظ عليها، فلذا تحتاج دار العلوم تاج المساجد إلى تبرعات أهل الخير دائما مع أن نصف المصاريف يتم بما يحصل له من كراء الدكاكين المبنية في رحابه. و لا شك أن التبرعات التي تقدم إليها تكون ذخرا لأهلها يوم القيامة، فإن المدارس الإسلامية مصابيح تبعث في العالم نور القرآن و السنة و تضيئ للأمة الإسلامية سبل السلام و تبدد لها ظلمات الكفر و الشرك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله تعالى و سنة رسوله“. (عن مالك بن أنس، مشكاة).
المنهج التعليمي
إن المنهج التعليمي لدار العلوم تابع لمنهج ندوة العلماء لكناؤ، الذي يشمل مع العلوم الدينية العلوم الجديدة المهمة من اللغة الهندية و الإنجليزية و الرياضيات و علم الطبيعة و الجغرافيا و التاريخ و غيره.
يشتمل المنهج التعليمي لدار العلوم على ثلاثة أقسام: ١. قسم تجويد القرآن و تحفيظه، ٢. قسم الكتاب، ٣. قسم العالمية.
و يلتحق بدار العلوم عدد كبير من المدارس و الكتاتيب من مدينة بوفال و ضواحيها، و يستفيد منها عدد كبير من الطلبة، و تقوم دار العلوم بإشراف هذه المدارس في ميدان التعليم و تقدم لها مساعدة مالية في حين لآخر.
و من الجدير بالذكر أن جامعة عليجرة تقرر الشهادة العالمية لدار العلوم مساوية لشهادة بكالوريوس.
الوظائف التعليمية لطلبة دار العلوم
لا تؤخذ من طلبة دار العلوم رسوم تعليمية، بل توفر للمعدومين منهم الوظائف التعليمية، و كذلك توفر لكل طالب من طلاب الصفوف العالية الوظائف الشهرية حسب مراتبهم.
إسهام دار العلوم في مجال الدعوة و الإصلاح
و لتاج المساجد علاقة قديمة قوية بالدعوة و الإصلاح، فلم يزل انعقد فيه الاجتماع الدعوي العالمي في كل سنة من 1948م إلى 2002م، و يقدم في إدارته و تدبير شؤونه جميع الموظفين لدار العلوم أوقاتا موفورة و خدمات جليلة.
المجلس الاستشاري
تقوم شؤون الإدارة و التعليم لدار العلوم على مجلس استشاري حسب نظامها و قانونها، و يشتمل هذا المجلس على الأعضاء المنتخبين من بلاد الهند كلها و أكثرهم علماء الدين مع عدد قليل من أهل النهى و أصحاب الرأي و ذوي القلوب المتألمة للأمة الإسلامية، ينتخب كل واحد منهم لخمسة أعوام. و أما جميع المسؤوليات فيقوم بأدائها مدير الدار من قبل المجلس الاستشاري.